إعتقاد الصوفية
الإمام أحمد الرفاعي
وقد سأل السيد عبد الرحيم السيد الجليل الشيخ أحمد الرفاعي الكبير قدس سره فقال: "الناس يسألوني عن عقيدتي فما أقول لهم، فقال السيد أحمد رضي الله عنه: "أي عبد الرحيم، اعلم أن كل ما عدا الخالق فهو مخلوق، والليل والنهار والضوء والظلام، والسموات السبع وما فيهما من النجوم والشمس والقمر والأرض، وما عليها من جبل وبحر وشجر، وأنواع النباتات وأصناف النبات، والحيوانات الضار منها والنافع، لم يكن شىء من ذلك إلا بتكوين الله، ولم يكن قبل تكوين الله الأشياء أصل ولا مادة ولا شىء من ذلك إلا بتكوين الله، وكذلك الجنة والنار والعرش والكرسي واللوح والقلم والملائكة والإنس والجن والشياطين، لم يكن منها شىء إلا بتكوين الله تعالى، وكذا صفات هذه الأشياء من الحركة والسكون، والاجتماع والافتراق، والأطعام والمشروب والروائح، والجهل والعلم، والعجز والقدرة، والسمع والصمم، والبصر والعمى، والنطق والبكم، والصحة والسقم، والحياة والموت، كل ذلك من مخلوقات الله تعالى، وكذلك أفعال العباد واكتسابهم، من الأمر والنهي والوعد والوعيد، كل ذلك من مخلوقات الله تعالى، خلق كل شىء، قال الله تعالى ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُم (3)﴾ [سورة فاطر].
يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، الطاعات والمعاصي بقضاء الله وقدره، وعبادته بإرادته ومشيئته، فإن الطاعة مقدرة من الله تعالى بقضائه وقدره، وكذا المعصية والمعاصي مكونة مقدرة بقضاء الله تعالى وقدره ومشيئته، لكن ليست برضائه ولا محبته، ولا بأمره، وما أراد الله أن يكون كان بلا محالة، طاعة أو معصية، وهذا معنى قولنا ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فمن هداه الله تعالى خلق فيه فعل الاهتداء، من لم يهده لم يهتد وكل ذلك بمشيئة الله تعالى كما قال: ﴿الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)﴾ [سورة الرعد]، والله يعطي العبد كما يريد، كان فيه صلاح العبد أو فساده، وغاية صلاح العبد ليست بواجبة على الله تعالى، بل إن كان فيه صلاح كان منه إحسانًا وتفضلًا، وإن لم يكن ذلك كان منه عدلا، فله الفضل والحمد، والله تعالى قديم ليس لوجوده ابتداء، وباق ليس لبقائه انتهاء، حي بلا روح، عالم بلا قلب وفكرة، قادر لا بآلة، سميع لا بأذن، بصير لا بحدقة، متكلم لا بلسان، والله تعالى قديم بصفاته، وليس شىء من صفاته محدث، وكلامه ليس من الحروف والأصوات، بل الحروف والأصوات عبارة عن كلامه ودلالة عليه، والله تعالى ليس بجسم، ولا جوهر ولا عرض، ولا على مكان ولا في مكان، بل كان جلت عظمته ولا زمان ولا مكان، والله تعالى ليس بصورة، وكل ما تصور في فهمك ووهمك فالله تعالى خالقه ومكونه، والله تعالى لا يشبه شيئًا مما خلق، ولا يشبه ذاته ذوات المخلوقين، ولا صفاته صفات المخلوقين كما قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (11)﴾ [سورة الشورى] والله تعالى واحد أحد فرد صمد، لا شريك له ولا وزير له، ولا شبيه له، ولا ضد له ولا ند له، ولا نظير له ولا مثيل له، ولا أول له ولا ءاخر له، ولا ولد له ولا والدة له ولا والد له، وهو الأول والآخر، والظاهر والباطن، وهو بكل شىء عليم، وعلى كل شىء قدير، علام بأمور خلقه من مبتداهم إلى منتهاهم، وكل مخلوق بخلقته شاهد عادل على أنه لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
وأن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه وخيرته من خلقه، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وأن الله أرسل من قبله رسلًا، أولهم ءادم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، وكلهم جاءوا بالحق وتكلموا بالصدق، وبلغوا الرسالة وصدقوا فيما بلغوا عن ربهم عز وجل، وكل ما أنزل عليهم من الكتب والصحف حق، وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم الرسل ولا نبي بعده حق، وأن الرسل كلهم على حق، وأن عيسى عليه الصلاة والسلام ينزل في ءاخر الزمان حق، وأن المعراج حق، أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم بنفسه وشخصه في ليلة واحدة من مكة إلى بيت المقدس على ظهر البراق، ثم عرج به إلى السماء حيث شاء الله، وأن الصالحين مع علو منزلتهم وقربهم من الله لا يسقط عنهم شىء من الفرائض والواجبات من الصلاة والزكاة والحج والصيام وغير ذلك، ومن زعم أنه صار وليًّا وسقط عنه الفرائض فقد كفر فإنه لم يسقط ذلك عن الأنبياء فكيف يسقط عن الأولياء. وأن الإيمان يزيد وينقص، والإيمان والإسلام واحد، وكل مسلم مؤمن، وأن عذاب القبر حق وأن منكرًا ونكيرًا حق، وسؤالهما حق، وأن البعث حق والعرض حق، والحساب حق، وأن الجنة ونعيمها حق، والنار وعذابها حق، وأهل الجنة يرون ربهم بعينهم من غير تشبيه ولا إحاطة ولا كيفية ولا مقابلة ولا على مكان- هم في الجنة وهو موجود بلا مكان -، ولا في جهة من الجهات الست، وأن قراءة الكتب أي في الآخرة حق، يؤتى المؤمن كتابه بيمينه والكافر بشماله، والميزان حق والشفاعة للنبي حق، وأن أبا بكر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخليفة حق، وبعده خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حق، وبعده خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه حق، وبعده خلافة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه حق، إلى أن قال سيدنا أحمد الرفاعي فهذا اعتقادنا ومذهبنا فمن خالفه وقال غير ذلك لا برهان له والله برئ منه ا.هـ (من كتاب المجالس الرفاعية).