قالَ ابنُ عباسٍ رَضِيَ اللهُ تعالَى عنهُمَا بعدَ قولِهِ تعالَى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ يريدُ البِرَّ بِهِمَا مَع اللطفِ ولِيـن الجَانِبِ فلاَ يُغَلِّظُ لَهُمَا في الجوابِ ولا يُحِدُّ النَظَرَ إليهِمَا ولا يَرفَعُ صَوتَهُ عليهِمَا بَل يكونُ بَينَ يَدَيهِمَا مثلَ العبدِ بَينَ يَدَي السَّـيِّدِ تَذَلُّلاً لَهُما. اهـ
الوَاجِبُ عَلَى الدَّاعِيَةِ حِفظُ عَقِيدَةِ أَهلِ السُّنَّةِ ثُمَّ بيانُ الكفرياتِ وإثباتُ حكمِهَا حَتَّى تحذر. مُلاَّ عَلِي القَارِي يقولُ في شرحِهِ على الفقهِ الأَكبَرِ لأبِي حنيفةَ يَجِبُ مَعرِفةُ الكفرياتِ.
ويقولُ الحافظُ محمدُ مرتضَى الزبيديُّ في كتابِهِ: "وقَد أَلَّفَ جَمعٌ مِنَ الأَئِمَّةِ الأَربَعَةِ رسائِلَ في بيانِ الكلماتِ الكفريةِ" ثُمَّ يَقُولُ: "لاَ يجوزُ الاقتداءُ بالمعتزلةِ والجَهمِيَّةِ والخَطَّابِيَّةِ والْمُشَبِّهَةِ وأَمثالِهِم مِمَّن يُكَفَّرُونَ بِبِدعَتِهِم" معناهُ كُلُّ أولئكَ كفارٌ.
عليكُم بقَمعِ الْمنكراتِ التِي تُؤدِي إِلَى الكفرِ عليكُم ببَذلِ الجُهدِ في ذلكَ فإنَّ المنكراتِ مراتبُ، فمَا كانَ كُفرًا كانَ أَولَى عنايةً بالرَّدِّ ثُمَّ مَا يَتبَعُ ذَلِكَ مِنَ الكَبَائِرِ ثُمَّ الصَّغَائِرِ. فأَولَى المُنكَرَاتِ عنايةً بالرَدِّ الكفرُ.
قالَ الإمَامُ أَحـمَدُ بنُ حَنْبَل رَضِيَ اللهُ عَنهُ "مَن قَالَ اللهُ جِسمٌ لا كالأَجسَامِ كَفَرَ" رَوَاهُ الحَافِظُ بدرُ الدِينِ الزَّركَشِيُّ في كتابِهِ "تَشنيفِ المسامِعِ"
قالَ الإمامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "مَن قالَ أو اعتَقَدَ أنَّ اللهَ جَالِسٌ على العَرشِ فهُو كَافرٌ"رَوَاهُ ابنُ المعلمِ القُرَشِيُّ فِي كتابِهِ" نَجمِ المُهتَدِي ورَجمِ المعتدي" صحيفة 551
قالَ سيدُنَا عليٌّ: "الدُّنيَا حَلاَلُهَا حِسابٌ وحَرامُهَا عِقابٌ" معناهُ الذي يَجمَعُ المالَ بالحلالِ يُسأَلُ يومَ القيامةِ لكنْ لاَ يُعاقَبُ. الذي جَمَعَ بالحلالِ لا يَحصُلُ لَهُ انزِعَاجٌ، أمَّا الذي جَمَعَ مِن حَرَامٍ فيَستَحِقُّ أَنْ يُعَذَّبَ، يَستَحِقُّ أَنْ يُعَاقَبَ. اللهُ تعالى خَلَقَ البشرَ على أحوالٍ شَتّى، خَلَقَ أُنَاسًا وكَتَبَ لَهُم رِزقًا حَلاَلاً وَاسِعًا جِدًا، وخَلَقَ أُنَاسًا وكَتَبَ أَنَّهُم يَجمَعُونَ المالَ بالحرامِ ويَصرِفونَهُ بالحَرَامِ. كانَ فِي حلب رَجُلٌ يقالُ لهُ عُثمان باشا تركيٌّ هذا رَزَقَهُ اللهُ المالَ الحلالَ الكثيرَ الكثيرَ، بَنَى مَسجِدًا لَعَلَّهُ أيامَ السلطانِ عبدِ الحميد أم قبلَهُ، بَنَى مَسجدًا كبيرًا كَأنَّهُ قَلعةٌ.
إِسـمَاعِيلُ الصَّفَّار مِنْ كِبَارِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: "يَنبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الخَطيبُ عَلى الْمِنبَـرِ العَقِيدَةَ وهِي أَسَاسُ الدِّيـنِ"
قالَ الإمَامُ أَبُو الحَسَنِ الأَشعَرِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنهُ "مَن اعتَقَدَ أَنَّ اللهَ جِسمٌ فهُو غَيرُ عَارِفٍ بِرَبِّهِ وإِنَّهُ كَافِرٌ بِهِ"في كتابِهِ "النَّوَادِرِ".
قالَ أَحَدُ الصَالِحِينَ: الوَقتُ أَعَزُّ الأَشياء عَلَيكَ فاشغَلْهُ بأَعَزِّ الأشياءِ الله ربِّ العَالَمِينَ معناهُ الوَقتُ عَزِيزٌ اشغلْهُ بطاعةِ اللهِ.
قَالَ الإمَامُ عَليُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ: "سَيَرجِعُ قومٌ مِنْ هذهِ الأمَّة عِنْدَ اقْترَابِ السَّاعَةِ كُفَّارًا يُنكِرُونَ خالِقَهُمْ فيَصِفوُنَهُ بالجسمِ والأعضاءِ".
رواهُ ابنُ المعلِّمِ القُرَشِيّ فِي كتابِهِ "نَجمِ المهتدِي ورجمِ المعتدِي" ص 588.
قال الشيخُ نِظَامٌ الهِندِيُّ: "ويَكفُرُ بإِثبَاتِ المَكَانِ للهِ" فِي كِتَابِ "الفتَاوَى الهِندِيَّةِ - المُجلد الثانِي".
نَقَلَ الحَافِظُ النَّوَوِيُّ عَنِ الإمامِ المتولِي الشَّافِعِيِّ
أَنَّ مَن وَصَفَ اللهَ بالاتِّصَالِ والانفِصَالِ كَانَ كَافِرًا.
فِي كتابِ "رَوضَةِ الطَالِبِينَ ـ المُجَلَّد العَاشِر صَحِيفة 15".
قَالَ بعضُ الصُّوفِيَّةِ الصَّادِقِينَ: "وُرُودُ الفَاقَاتِ أَعيَادُ المُرِيدِينَ" معناهُ وُرُودُ المصائِبِ عيدٌ للمريدينَ أي لطلابِ الآخرةِ المُقبِلِينَ عليهَا، فإنَّ هؤلاءِ إنْ بَلَغَهُم الفقرُ بعدَ أَن كانُوا بِحَالَةِ بَسطٍ يَعتَبِرُونَهُ عِيدًا فيَزِيدُونَ في الطاعةِ بَدَلَ أَنْ يَنْقَلِبُوا أو يُخَفِّفُوا.
قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ورُوِّينا عَن أَبِي بَكر الأثرم قالَ سَمِعتُ أَحمدَ بنَ حنبلٍ يُستَفْتَى فيُكْثِرُ أنْ يقولَ: "لا أدري" وذَلكَ مِنْ أعرفِ الأقاويلِ فيهِ، وبَلَغَنَا عَنِ الهَيثمِ بنِ جَمِيلٍ قالَ: شَهِدْتُ مَالِكَ بنَ أنسٍ سُئِلَ عنْ ثَمَانٍ وأَربَعِينَ مَسألةً فقَالَ فِي اثنَتَينِ وثَلاَثِينَ منهَا "لا أدري". وعَنْ مَالِكٍ أَيضًا أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ يُسأَلُ عَنْ خَمسِينَ مسألة فَلا يُجِيبُ عنْ وَاحِدَةٍ منهَا، وكَانَ يَقُولُ: "مَنْ أجابَ فِي مسألةٍ فينبغِي مِنْ قبلِ أنْ يُجيبَ فيهَا أنْ يَعرِضَ نفسَهُ على الجنةِ والنَّارِ وكَيفَ يَكُونُ خَلاصُهُ في الآخرةِ ثُمَّ يُجِيبُ فيهَا"
قالَ الإمامُ مُحَمَّدُ بنُ بَدرِ الدِّينِ بنِ بَلْبَانَالدِمَشقِيُّ الحَنبَلِيُّ:
"فَمَنِ اعتَقَدَ أَو قَالَ إِنَّ اللهَ بذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أو فِي مَكَانٍ فكَافِرٌ"
فِي كِتَابِهِ "مُختَصَرِ الإفَادَاتِ" صَحِيفَة 489.
اتَّفَقَ أَهلُ السُّنَّةِ عَلَى "وَحدَةِ كلامِ اللهِ تعالى" قالَهُ الإمامُ أَبُو عَلِيٍّ السَّكُونِيُّ الإشبِيلِيُّ المُتَوَفَّى سنةَ 717 مِنَ الهجرةِ [1]، وكذلكَ البيهقيُّ ذَكَرَ "وَحدَةَ الكلامِ" فِي كِتَابَينِ مِن كُتُبِهِ [2]. وكذلكَ أهلُ السُّنَّةِ يعتقدونَ أَنَّ اللهَ تعالَى صفاتُهُ لا تُشبِهُ صِفَاتِ خَلقِهِ، اللهُ متكلمٌ بكلامٍ ليسَ حَرفًا وصَوتًا؛ لأَنَّ الكلامَ الذي يكونُ بالحرفِ والصوتِ مخلوقٌ، اللهُ لا يَتَّصِفُ بِحادثٍ. قالَ أَبُو حنيفةَ رَضِيَ اللهُ عنهُ فِي كتابِهِ "الفقهِ الأكبرِ" "نَحنُ نَتكلَّمُ بالآلاتِ والحروفِ واللهُ يَتَكلَّمُ بلا ءالةٍ ولا حَرفٍ" وكلامُ اللهِ الذي هو غيرُ حَرفٍ وصَوتٍ أَزلِيٌّ أبديٌّ لا يَنقَطِعُ، لاَ يَجوزُ على اللهِ أنْ يَتَكَلَّمَ ثمَّ يَسكُتَ. الكلامُ القائِمُ بذاتِ اللهِ ليسَ حَرفًا وصَوتًا، يَسمَعُهُ الإنسُ والجِنُّ في الآخرةِ. وأمَّا الكلامُ الذي هُو حرفٌ وصوتٌ كالقرءانِ الذي نَقرَؤُهُ بالحروفِ والتَورَاةِ والإنْجيلِ والزبورِ هؤلاءِ عباراتٌ عن كلامِ اللهِ لَيسَتْ عينَ الكلامِ الذاتِيِّ. ثُمَّ إِنَّ اللهَ تبارَكَ وتَعالَى أَخبَرَ فِي القرءانِ أَنَّهُ يَخلُقُ الأشياءَ بكلامِهِ، وكلُّ ما خَلَقَ اللهُ وما سيخلُقُهُ وجودُهُ بكلامِ اللهِ تعالَى وهذا معنَى قولِهِ تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ معنَى الآيةِ أنَّ الشىءَ الذي أرادَ اللهُ وجودَهُ يَخلقُهُ بكلامِهِ الأزلِيِّ ليسَ المعنَى أنَّهُ يَنطِقُ بالكافِ والنُّونِ، النطقُ بالكافِ والنونِ مِن صفاتِنَا. ثُمَّ القولُ بأَنَّ اللهَ يَخلُقُ الأَشياءَ بالكَافِ والنُّونِ مَعنَاهُ أَنَّهُ يَخلُقُ الأشياءَ بعدَ النُّطقِ بالكافِ والنونِ، وهذا مستحيلٌ إنَّمَا المعنَى أنَّهُ يَخلقُ الأَشياءَ التِي أَرَادَ وجودَهَا بالكلامِ الأزلِيِّ الذي ليسَ حرفًا وصوتًا هذا معنَى الآيةِ: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذا أرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. وأمَّا مَا يقولُهُ بعضُ الناسِ "سبحانَ مَن أَمرُهُ بينَ الكافِ والنونِ" فكلامٌ فاسِدٌ لا هو قرءانٌ ولا حديثٌ ولا
هو كلامُ أَهلِ العِلمِ. اهـ
-------------------------------------
[1]- قال العلامةُ أبو علي السكونيُّ الإشبيليُّ المالكيُّ المتوفى سنة سبعمائة وسبعة عشر في كتابه "التمييز لِما أودعَه الزمخشريُّ من الاعتزالِ في تفسيرِ كتابِ العزيزِ" ما نصه: "وكلام الله سبحانه واحد بإجماع الأمة". اهـ
[2]- قال البيهقيُّ في كتابه الاعتقاد ما نصه: "وكلامُ الله واحدٌ لَم يزلْ ولا يزالُ"