وقفات مع العاشر من محرّم
في هذا اليوم استُشهد الإمام الحُسين
كما نَستذكرُ معًا مصابًا عظيمًا ألَـمَّ بهذِه الأمَّةِ ألا وهُوَ استشهادُ حِبِّ رسولِ اللهِ ورَيحانتِه مِنَ الدنيا سَيِّدِنا الشَّهيدِ السَّعيدِ أبي عبدِ اللهِ الحسينِ عليهِ السَّلامُ.
ولكنْ فلْيُعلَمْ أنَّ مَا حَصلَ لِسَيِّدِنا الحسينِ عليهِ السَّلامُ هوَ سُنَّةُ اللهِ في الدُّعاةِ إِلى دِينِهِ، فهذَا سَيِّدُنا نُوحٌ عليهِ السَّلامُ يَدْعو قَومَهُ إِلى مَا فيهِ خيرُهُمْ وصلاحُ دُنياهُمْ وءاخِرَتِهِمْ، يَدعوهُمْ إِلى عِبادةِ اللهِ الواحدِ الأحدِ وتَرْكِ الإشراكِ بهِ تسْعمِائَة وخمسينَ سَنَة فيُضرَب بالحجارة ويُشدخُ رأسُه بالصخْرِ حتى يُحمَلَ مغشيًّا عليهِ ولا يؤمِنُ بِه إلا نحوُ ثمانينَ شخصًا، وسَيِّدُنا إبراهيمُ عليه السلامُ يُرمَى في النيرانِ والنارُ تكونُ برْدًا وسلامًا عليهِ، ويحيى عليه السلامُ يُقطع رأسُه وزكريَّا عليه السَّلامُ يُنشَرُ بالمنشارِ، وموسَى يكيدُ لهُ الطاغيةُ فِرعونُ وينكِّّلُ بمَنْ ءامَنَ بهِ، وسَيِّدُنا عِيسَى عليه السلامُ يُريدونَ صَلْبَهُ عَلى الألواحِ ومَا قَتلوهُ ومَا صَلَبوهُ ولكنْ شُبِّهَ لَهُمْ، وهَا هُوَ خيرُ الخلْقِ محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وءالِه وسلّم يُبعَثُ في قَوْمٍ يَعبُدونَ الأصنامَ والأوثانَ وتَلْهُو بهِمُ الشياطينُ، فيَدُلّهُمْ على مَا فيهِ فلاحُهُمْ وخَلاصُهُمْ مِنْ غياهِبِ الجهْلِ ويقولُ لهمْ "قُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللهُ تُفلِحُوا" فيُرْمَى بالحجارةِ حَتى يَسيلَ الدَّمُ مِنْ قَدَمَيهِ الطاهِرتينِ ويقولُ سيِّدُنا محمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليهِ وءالِه وسَلَّمَ "اللَّهُمَّ إِنْ لم يَكنْ بِكَ سَخطٌ عَليَّ فلا أبَالي" ويُقتلُ ءالُ ياسرٍ لإيمانِهِمْ بمحمَّدٍ، وبِلالٌ يُضرَبُ وسطَ الصحراءِ ويُوضَعُ الصخرُ عَلى صَدْرِهِ وهُوَ يقولُ:
"أحَدٌ أحَدٌ" فيقولُ لَهُ المشرِكونَ "ألا تعرفُ غيرَ هذِهِ الكلمةِ" فيجيبُهمْ بقَلْبٍ ثابتٍ : "لوْ كنتُ أعرفُ كلمةً تغيظُكُمْ أكثرَ مِنهَا كنتُ قلتُها" وذلكَ لما فيهَا مِنْ توحيدِ اللهِ وتنـزيهِه عَنِ الشَّريكِ والشَّبيهِ والمثيلِ والنِّدِّ والنَّظيرِ، ويُخرَجُ المؤمنونَ مِنْ دِيارِهِمْ وتُدَكُّ بيوتُهمْ وتُسلَبُ أموالهُمْ، وفي غزوةِ أُحُدٍ يُقتَلُ عَمُّ رَسولِ اللهِ سَيِّدُ الشهداءِ حمزةُ بنُ عبدِ المطَّلِبِ صيادُ الأُسودِ ويُقتلَعُ كَبِدُهُ مِنْ جَسَدِهِ.
نَعَمْ إنَّها سُنَّةُ اللهِ في الدُّعاةِ إِلى دِينِهِ، وفي هَذا المقامِ لا بُدَّ مِنَ التَّنبيهِ إِلى أمْرٍ عظيمٍ، ألا وهُوَ أنَّ مَنْ ناصرَ الحقَّ وكانَ في صَفِّهِ ومعَهُ هوَ المنصورُ حقًّا وإنْ ظُلِمَ وقُتِلَ، وإنْ نُكلَ بهِ ولوْ قُطِّعَ أجزاءً صغيرةً فهوَ الرابحُ الفائزُ على الحقيقةِ، وأنَّ مَنْ جَانَبَ الحقَّ وعادَى أهْلَهُ هوَ الخاسرُ المخذولُ, بعضُ النَّاسِ يقولونَ إنَّ النبيَّ محمَّدًا صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فازَ في كُلِّ المعاركِ إلا في معركةِ أحُدٍ، والحقُّ أنَّه الفائزُ المنصورُ في كُلِّ المعاركِ حتى في أُحُدٍ بلْ خَسرَ مَنْ خالَفَ أمْرَهُ. ومِنْ هُنا نَقولُ أيضًا إنَّ أبَا عَبدِ اللهِ الحسَينَ عليهِ السَّلامُ مَا خَرَجَ إِلا لِيطلبَ الإصلاحَ في أُمَّةِ جَدِّهِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ولم يخرجْ أشَرًا ولا بَطَرًا، فقُتِلَ عليهِ السَّلامُ مَظلومًا، ومَنعوهُ أنْ يَرِدَ الماءَ فيمَنْ وَرَدَ ، وأنْ يَرحلَ عَنهُمْ إلى بَلَدٍ، وسَبَوْا أهْلَهُ وقَتَلُوا الوَلَدَ.
إنَّهُ الحسَينُ، إنَّهُ الحسينُ الذِي كانَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُبِّه يُقَبِّلُ شَفَتيهِ، ويَحمِلُهُ كثيرًا عَلى عَاتقَيْهِ، فلَو رَءاهُ مُلْقًى عَلى أحَدِ جانبَيْهِ والسُّيوف تأخذُه والأعدَاء حَوالَيهِ والخَيل قدْ وطِئتْ صَدرَهُ ومَشَتْ عَلى يدَيهِ ودِماؤهُ تَجري بعدَ دموعِ عينَيهِ لَغضب الرسولُ مِنْ ذلكَ ولَعَزَّ عليهِ .
إنَهُ الحسَينُ الذِي وَرَدَ فيهِ أنَّ مَلَكَ القَطْرِ استأذنَ عَلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وسّلَّمَ: "يا أُمَّ سَلمةَ احفظِي عَلينا البابَ لا يَدخلْ علينَا أحَدٌ، فجَاءَ الحسينُ فاقتحمَ البابَ وجعلَ يتوثَّبُ على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ورسولُ اللهِ يقبِّلُهُ، فقالَ الملَكُ: أتحبُّهُ قَالَ: نَعَم، قَالَ: إنَّ أُمَّتَكَ ستقتلُه وإنْ شِئتَ أريتُكَ المكانَ الذِي يُقتلُ فيهِ، قالَ: نَعَم، فجَاءَ بترابٍ أحمرَ، مَدَّ هذَا الملَكُ يَدَهُ إِلى كربلاءَ وأحضرَ شيئًا مِنْ تُرابها فأراهُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ ثم أخذَتْ أمُّ سَلَمَةَ هذا الترابَ فصرَّتْهُ في صُرَّةٍ مِنْ أجْلِ أنْ تتبرَّكَ بترابٍ مَسَّهُ الملَكُ.
إنَّه الحسينُ، إنَّه الحسينُ الذِي حينمَا استُشهدَ كَانُوا لا يَرفعونَ حَجَرًا إلا ووَجدوا تحتَهُ دَمًا، وبَكَتْ عليهِ الملائكةُ بُكاءً حقيقيًّا، ولقدْ قيلَ في الحسينِ عليهِ السلامُ:
مَسَـحَ النبيُّ جَبينَهُ **** فَلهُ بريقٌ في الخُدودِ
أبَواهُ مِنْ عَلْيَا قُريشٍ **** وجَدُّهُ خيرُ الجـدودِ
ولما وُضِعَ رأسُهُ الشَّريفُ بينَ يدَيْ يزيدَ يُقالُ إنَّه جَعَلَ يَنْكُتُ بقضيبٍ كانَ في يَدِهِ في ثَغْرِهِ فقالَ لَهُ أبو بَرْزةَ الأسْلميُّ: والذِي لا إلَهَ إلا هوَ لقدْ رأيتُ شفتَيْ رسولِ اللهِ علَى هاتينِ الشفتينِ يُقبِّلُهما ثمَّ قامَ مِنْ مجلِسِه وانصرفَ .
نعَمِ انتصرَ الحسينُ ومَن معَه وخابَ مَنْ ظَلَمَهُ وانصرفَ .
أيَرجو مَعْشَرٌ قَتَلُوا حُسَينًا شَفاعةَ جَدِّهِ يَوْمَ الحسَابِ
إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعونَ .
ففي اليوم العاشر من شهر محرم سنة إحدى وستين من الهجرة جرت حادثة مروعة مفجعة ومصيبة كبرى فظيعة ألَمت بالمسلمين وأفجعتهم وملأت القلوب حزنًا وأسى ومرارة ففي يوم الجمعة في العاشر من شهر محرم، قُتل الإمام أبو عبد الله الحُسين بن علي حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابن بنته فاطمة الزهراء رضي الله عنهم على أيدي فئة ظالمة، فمات الحُسين شهيدًا سعيدًا وهو ابن ست وخمسين سنة وهـو الذي قال فيه الرسول وفي أخيه: "الحَسَن والحُسَين سيدا شباب أهل الجنة" رواه الترمذي وأحمد والطبراني. ودعــا رسول الله للحَسَن والحُسَين فقال: "اللّهُمّ إني أحبُّهما فأحِبَّهُما" رواه الترمذي، وقال الرسول عنهما: "هُما ريحانتاي من الدنيا" رواه البخاري.
وكان كبار الصحابة يحترمونه ويجلونه كما كان هو يحترمهم ويجلهم وكان سيدنا عمر يجعل له عطاء وكان يكرمه، وحصل أن أبا هريرة مرة لما كان في جنازة نفض الغبار عن قدم الحسين بثوبه، وفي حديث رواه الحاكم "من احبني فليحبَ حسينًا"، وقد قال سيدنا علي في وصف الحسين: "أشبه برسول الله من صدره الى قدميه"، وفي حديث رواه الترمذي : "حُسين منى وأنا من حُسين".
وروى البخاري عن عبد الله بن عمر أن رجلاً من أهل العراق سأله عن المحرم يقتل الذباب فقال: أهلُ العراق يسألون عن قتل الذباب، وقد قتلوا ابن بنت رسول الله وقد قال رسول الله: "هما ريحانتاي من الدنيا".
وملخص ما حصل أن أهل الكوفة لَما بلغهم موت معاوية وخلافة يزيد، كتبوا كتابا إلى الحسين عليه السلام يدعونه إليهم ليبايعوه فكتب لهم جوابا مع رسولهم وسيّر معهم ابن عمه مسلم بن عقيل فلما وصل إليهم اجتمع بعض أنصاره عليه وأخذ عليهم العهد والميثاق بالبيعة للحسين وأن ينصروه ويحموه ثم تواترت الكتب إلى الحسين من جهة أهل العراق وجاء كتاب مسلم بن عقيل بالقدوم عليه بأهله، فلما علم بذلك يزيد ولى العراق عبيد الله بن زياد فبعث إلى مسلم بن عقيل يضرب عنقه ورماه من القصر إلى العامة فتفرق مَلَؤهم وتبددت كلمتهم، هذا وقد تجهز الحسين من الحجاز إلى العراق ولم يشعر بما وقع وما علم بشىء من ذلك، لأن الحسين خرج من مكة قبل مقتل مسلم بيوم واحد، فأشار عليه أهل الرأي والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق منهم أبو سعيد وجابر وابن عباس وابن عمر وأمروه بالمقام بمكة وذكروه ما جرى لأبيه وأخيه معهم.
فأما ابن عباس فقد كلّمه أكثر من مرة فمن جملة ما قال له: إن أهل العراق قومُ غَدرٍ فلا تغترَّنَّ بهم، أقم في هذا البلد وإلا فسر إلى اليمن فإن به حصونًا وشعابًا ولأبيك به أنصارًا. فقال الحسين: يا ابن عم، والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق ولكني قد أجمعت المسير، فقال له: فإن كنت ولا بد سائرًا فلا تسر بأولادك ونسائك فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه.
وأما ابن عمر فقد لحقه على مسيرة ليلتين أو ثلاث من المدينة فقال له لا تأتهم، فقال له الحسين: هذه كتبهم وبيعتهم. فقال له ابن عمر: إن الله خيّر نبيه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا وإنك بَضعة من رسول الله والله لا يليها أحد منكم وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم. فأبى أن يرجع، فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: استودعك الله من قتيل.
وأما ابن الزبير: فقال له: أين تذهب؟ الى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك!.
وأما أبو سعيد الخدري فقال: يا أبا عبد الله: إني لكم ناصح وإني عليكم مشفق فلا تخرج إليهم سمعت أباك يقول بالكوفة: والله قد مللتهم وأبغضتهم.
وكذلك كلّمه جابر بن عبد الله، وكلّمه آخرون، ولكن لا يكون إلا ما قدّر الله.
فانطلق الإمام الحسين ومعه أصحابه ومعه من أهل بيته حتى إذا وصل إلى العراق وقد عرف ماذا فعل عبيد الله بن زياد وعرف تَخَلّي أهل العراق عنه ولم يجد أحدًا منهم.
وبعثَ إليه عبيد الله بن زياد بكتيبة فيها أربعة آلاف يتقدمهم عمرو بن سعد أو عمر بن سعد فالتقوا بمكان يقال له كربلاء فطلب منهم الحسين إحدى ثلاث:
أ - إما أن يدعوه يرجع من حيث جاء
ب – وإما أن يذهب إلى ثغر من الثغور فيقاتل فيه
ج – أو يتركوه يذهب إلى يزيد .
فوافــــق عمــر بن سعد، وأرسل يخبر ابن زياد بذلك، فأرسل ابن زياد إلى عمر بن سعد، أن لا يوافق حتى يأتي ابن زياد ويبايعه يعني ليبايع يزيدا، وقد أشار على ابن زياد هذا الرأي شـمـر بن ذي الجَوشن قبحه الله، فقال الحسين: والله لا أفعل، فعمر بن سعد تباطأ في القتال فأرسل ابن زياد شـمـر بن ذي الجَوشن، وقال له إن تقدم عمر فقاتل وإلا فاقتله وكن مكانه، فتحول بعض الجيش الذين كانوا مع عمر بن سعد إلى صف الحسين لما علموا من إصرار أولئك على قتل الحسين، وأما هذا عمر بن سعد ءاثر الدنيا وخاف على منصبه، فحاصروا الحسين ومن معه حصارا شديدا حتى منعوا عنهم الماء، فلما اصبح الصباح، وكان يوم العاشر من محرم تهيأ الحسين ومعه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا، وتهيأ عمر بن سعد ومعه أربعة آلاف مقاتل، وقاتل أصحاب الحسين بين يديه حتى تفانوا، وكان أول قتيل من أهل الحسين علي الأكبر بن الحسين، فخرجت زينب أخت الحسين تنكب عليه ثم أدخلها الحسين بيده الفُسطاط ـ وهو البيت من الشعر ـ .
ثم قتل عبد الله بن مسلم بن عقيل ثم قتل عون ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر ثم قتل عبد الرحمن وجعفر ابنا عقيل بن أبى طالب ثم قتل القاسم بن الحسن بن علي بن أبى طالب وكذلك قتل عبد الله بن الحسين وأبو بكر والعباس وعثمان وجعفر ومحمد بنو علي ابن أبي طالب اخوة الحسين.
ومكث الحسين وحده لا يأتي إليه أحد إلا رجع عنه، حتى اشتد عطش الحسين فحاول أن يصل إلى أن يشرب من ماء الفرات فما قدر بل مانعوه عنه فخلص إلى شربه منه، فرماه رجل بسهم في حلقه فجعل الدم يسيل منه فدعا عليهم.
وهذا الرجل الذي رماه ما مكث إلا يسيرا حتى صب الله عليه الظمأ فجعل لا يروى ويسقى الماء مبردًا وتارة يبرد له الماء واللبن جميعًا أهلكه الله .
ثم التف حوله أولئك الظلمة، والحسين يجول فيهم بالسيف يمينا وشمالا وهم يتنافرون منه حتى تقدم رجل يقال له زُرعة بن شُرَيْك التميمي فضربه على يده اليسرى وضربه ءاخر على عاتقه وطعنه سنان بن أنس بالرمح فوقع فتقدم أحدهم ليقطع رأسه فشُلت يمينه ثم نزل شـمـر بن ذي الجَوشن ففصل رأسه عن جسده، وقيل ثم جاء عشرة من الخيالة داسوا عليه ذهابا وإيابا .
ووُجِد بالحسيــن حين قُتـل ثلاث وثلاثون طعنة واربع وثلاثون ضربة. وهمّ شـمـر أن يقتل علي الأصغر ابن الحُسين زين العابدين وهو صغير مريض ولكن منعوه عنه.
قُتل من أصحاب الحسين اثنان وسبعون نفسًا ومن أهل البيت قريب العشرين مع الحسين.
جعفر والعباس ومحمد وعثمان وأبو بكر ـ أولاد علي ـ، علي الأكبر وعبد الله ـ أولاد الحسين ـ عبد الله والقاسم وأبو بكر ـ بنو الحسن بن علي ـ عون ومحمد ـ من أولاد عبد الله بن جعفر ـ. جعفر وعبد الله وعبد الرحمن ومسلم من أولاد عقيل وعبد الله بن مسلم بن عقيل ومحمد بن أبى سعيد بن عقيل وقتل كذلك أخوه من الرضاعة عبد الله بن بُقْطُر.
وكان عمر الحسين يوم قتل ستا وخمسين سنة وكان استشهاده يوم الجمعة في العاشر من محرم سنة إحدى وستين من الهجرة الشريفة فأخذوا رأس الحسين ورءوس أصحابه ـ وكان يرى بعض الناس نورًا ساطعًا من رأس الحُسين إلى السماء وطيورًا بيضاء ترفرف حوله ـ إلى ابن زياد ثم حملهم إلى يزيد بن معاوية، فلما وضع رأس الحسين بين يدي يزيد، يقال إنه جعل ينكت بقضيب كان في يده في ثغره فقال له أبو بَرزة الأسْلَمي: والذي لا اله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله على هاتين الشفتين يقبلهما ألا إن هذا سيجيء يوم القيامة وشفيعه محمد وشفيعك ابن زياد، ثم قام من مجلسه وانصرف.
أما بقية أهل الحسين ونسائه ومعهم زين العابدين علي بن الحسين فحملهم ابن زياد إلى يزيد كذلك وبقوا هناك فترة ثم أوصلهم الى المدينة المنورة.
ووضع رأس الحسين في دمشق فترة وقيل ثم نقل إلى القاهرة وقيل غير ذلك، وأما جسده الشريف فدُفنَ في كربلاء .
هذا يزيد تظاهر أنه ما أراد قتل الحسين، ولكن لم يفعل شيئا بالقتلة.
وروى الحافظ ابن عساكر أن طائفة من الناس ذهبوا في غزوة إلى بلاد الروم فوجدوا مكتوبا في كنيسة:
أترجو أمةٌ قَتَلَت حُسينـًا شفاعةَ جَدّهِ يومَ الحساب
فسألوهم من كتب هذا فقالوا: إن هذا مكتوب ههنا من قبل مبعث نبيكم بثلاثمائة سنة.
وروى الإمام احمد عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله في المنام نصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم، فقلتُ: بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا، قال: "هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطُه منذ اليوم".
فكتبوا ذلك اليوم الذي قال فيه وتلك الساعة حتى جاءهم الخبر بالمدينة انه قُتل في ذلك اليوم وتلك الساعة .
وكل من شارك في قتله مات ميتة سوء وأكثرهم أصابهم الجنون وأصيبوا بمرض وعاهات في الدنيا، وهذا ابن زياد ما مكث بعد ذلك يسيرا إلا وقطعت رأسه.
ونتذكر في هذه المصيبة ما رواه علي بن الحسين عن جده رسول الله أنه قال: "ما من مسلم يصاب بمصيبة فيتذكرها وإن تقادم عهدها فيُحدِثُ لها استرجاعا إلا أعطاه الله من الأجر مثل يوم أصيب منها" رواه الإمام أحمد وابن ماجه .
الحمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ لهذَا الدِّينِ رِجَالاً لِنُصْرَتِهِ وَالدِّفَاعِ عَنْهُ الأرواحَ يَبذ ُلونَ، وَاللهِ مَا خَابُوا، فَفِي عِزِّهِمْ وفَضْلِهِمْ كتابُ اللهِ يُتْلَى ﴿بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ سورةَ ءال عِمرانَ/169. والصلاةُ والسَّلامُ عَلى جَدِّ الحسَنَينِ أبي الزَّهْرَاءِ قُرَّةِ العَينِ وعَلَى ءَالِهِ الأطهَارِ مِنْ كُلِّ رِجْسٍ وشَينٍ.