مختصر سيرة خير البشر صلى الله عليه وسلم
فصل في معجزاته صلى الله عليه وسلم
فمِنْ أعظم معجزاتِهِ، وأوضح دلالاتِهِ: القرآنُ العزيزُ، الذي لا يأتيهِ الباطلُ من بين يَدَيه ولا من خَلفه، تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ، الذي أعجزَ الفُصَحاءَ، وحَيَّرَ البُلغَاء، وأعياهُم أن يأتُوا بعشر سورٍ مثله، أو بسورةٍ، أو آيةٍ، وشهد بإعجازِهِ المشركونَ، وأيقنَ بصدقِهِ الجاحدونَ والملحدون.
وسألَ المشركونَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُريَهُمْ آيةً، فأراهم انشِقاقَ القمر، فانشقَّ حتى صارَ فِرقتينِ.
وهو المرادُ بقولِهِ تعالى: ﴿اقتربتِ الساعةُ وانشقَّ القمرُ﴾ [القمر:1]
وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله تعالى زَوَى لي الأرض، فرأيتُ مشارقَها ومغاربها، وسيبلغ مُلْكُ أمتي ما زُوِيَ لي منها".
وصدَّقَ الله قولَه بأن مُلكَ أمَّتهِ أقصى المشرقِ والمغرب، ولم ينتشرْ في الجنوبِ ولا في الشَّمالِ.
وكانَ يَخْطبُ إلى جِذْعٍ، فلما اتخذَ الـمِنبر، وقامَ عليه حنَّ الجذعُ حَنينَ العِشَارِ، حتى جاءَ إليه والتزَمه، وكان يَئِنُّ كما يَئِنُّ الصبيُّ الذي يُسَكَّتُ، ثم سَكَن.
ونَبَعَ الماءُ من بين أصابعِهِ غير مرَّةٍ.
وسَبَّح الحَصَى في كَفِّه، ثم وضَعَهُ في كفِّ أبي بكرٍ، ثم عمر، ثم عثمان، فسَبَّحَ.
وكانوا يسمعونَ تسبيحَ الطعام عندَه، وهو يؤكَل.
وَسلَّم عليه الحَجَرُ والشجرُ ليالي بُعِثَ.
وكَلَّمَتْهُ الذِّراعُ المسمومةُ، وماتَ الذي أكل معه من الشاة المسمومةِ، وعاشَ هو صلى الله عليه وسلم بعده أربعَ سنين.
وشَهِدَ الذئبُ بنبوَّتِه.
ومرَّ في سفرٍ ببعيرٍ يُستقى عليه، فلما رآه، جَرْجَر، ووضعَ جِرَانَه، فقال: "إنه شَكَا كثرةَ العمل، وقِلَّة العَلَفِ".
ودخل حائطًا فيه بعير، فلما رآه حنَّ وذَرَفتْ عيناه، فقالَ لصاحبِهِ: "إنه شَكَا إليَّ أنك تُجيعُهُ وتُدئبُهُ".
ودخَل حائطًا آخر فيه فَحْلان من الإبل، وقد عَجَز صاحبُهُما عن أخذِهِمَا، فلما رآه أحدُهما جاءه حتى بَرَكَ بين يديه، فخطَمَهُ، ودفعه إلى صاحبه، فلما رآه الآخرُ، فَعَلَ مِثْلَ ذلك.
وكان نائمًا في سَفَرٍ، فجاءتْ شجرةٌ تشقُّ الأرضَ حتى قامتْ عليه، فلما استيقظَ ذُكِرَت له، فقال: "هيَ شجرةٌ استأذنَت ربَّها أن تُسلِّمَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأَذِنَ لها".
وأمَر شجرتين فاجتمعتا، ثم أمرهما فافترقَتا.
وسأله أعرابيٌّ أن يُرِيَه آيةً، فأمرَ شجرةً، فقُطِعَتْ عُرُوقُها حتى جاءت فقامتْ بين يديه، ثم أمرها فرجعتْ إلى مكانها.
وأرادَ أن ينحَرَ سِتَّ بَدَنَاتٍ، فجَعَلْنَ يَزْدَلِفْنَ إليه بأيَّتِهِنَّ يبدأ.
ومَسَحَ ضَرْعَ شاةٍ حائلٍ لم يَنْزُ عليها الفحلُ، فحَفَلَ الضَّرعُ، [فحلبَ] فشربَ، وسقَى أبا بكرٍ.
ونحوُ هذه القصة في خَيمتي "أمُّ مَعْبدٍ الخزاعية".
ونَدَرَتْ عينُ قَتادة بن النُّعمان الظَّفَريِ حتى صارتْ في يدِهِ، فردَّها، وكانتْ أحسنَ عَيْنيه وأحدَّهما، وقيل: إنها لم تُعرف.
وتَفَلَ في عَيْني عليِّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه وهو أرْمد، فبرأ من ساعتِهِ، ولم يَرْمد بعد ذلك.
ودَعَا له أيضًا وهو وَجِعٌ، فَبَرَأَ، ولم يَشْتكِ ذلكَ الوجَعَ بعدَ ذلكَ.
وأُصيبتْ رِجلُ عبد الله بن عتيكٍ الأنصاريِّ، فمسَحها، فبرأتْ من حِينها.
وأخبرَ أنه يَقتُل أُبيَّ بنَ خلفٍ الجُمَحِي يومَ أُحُدٍ، فخَدَشه خدشًا يسيرًا فماتَ.
وقالَ سعدُ بنُ معاذٍ لأخيه أُميَّة بن خلفٍ: سمعتُ محمدًا يَزْعم أنه قاتِلك، فقُتِلَ يومَ بَدْرٍ كافرًا.
وأخبرَ يومَ بدرٍ بمَصَارع المشركينَ، فقالَ: "هذا مصرعُ فلانٍ غدًا إنْ شاءَ الله، وهذا مصرعُ فلانٍ غدًا إنْ شاءَ الله"، فلم يَعُدْ واحدٌ منهم مصرَعَه الذي سَمَّاه.
وأخبرَ أنَّ طوائفَ من أُمتِهِ يَغْزونَ البحرَ، وأنَّ أمَّ حَرَامٍ بنت مِلْحان منهم، فكانَ كما قال.
وقال لعثمانَ: "إنَّه سيُصيبُهُ بَلْوى" ، فقُتِلَ عثمانُ.
وقال للحسنِ بنِ عليٍّ : "إنَّ ابني هذا سيِّدٌ، ولعلَّ الله أن يُصْلحَ به بين فئتينِ من المؤمنينَ عظيمتين"، فكانَ كذلك.
وأخبر بمقتلِ الأسودِ العنسيِّ الكذَّاب ليلةَ قتلِهِ وبمنْ قَتَلَهُ وهوَ بصَنْعاء اليَمَن.
وبمِثلِ ذلكَ في قَتْلِ كِسرى.
وأخبرَ عن الشَّيماء بنت بُقيلة الأزدية أنها رُفِعَتْ له في خمارٍ أسودَ على بغلةٍ شَهْباء، فأُخِذَتْ في زمَن أبي بكرٍ الصديق في جيش خالد بن الوليد بهذه الصفة.
وقال لثابتِ بنِ قيسِ بنِ شماس: "تعيشُ حميدًا، وتُقتل شهيدًا"، فعاشَ حميدًا، وقُتِلَ يومَ اليَمَامةِ شهيدًا.
وقالَ لرجلٍ ممنْ يدَّعي الإسلامَ وهو معه في القتال: "إنه من أهل النار"، فصدَّقَ اللهُ قَولَه، بأنه نَحَر نفسَه.
ودعا لعمَر بن الخطاب أن يعز الله به الإسلام أو بأبي جهل بن هشام، فأصبح عمرُ فأسلَم.
ودَعَا لعليِّ بن أبي طالبٍ أن يُذْهبَ الله عنه الحرَّ والبردَ، فكان لا يجد حرًا ولا بردًا.
ودعا لعبد الله بن عباس أن يُفقِّهه الله في الدين، ويُعلِّمه التأويلَ، فكان يسمى الحَبرُ والبحرُ، لكثرة علمِهِ. (السيوطي يقول الحِبر أصح).
ودَعَا لأنس بنِ مالكٍ بطولِ العُمُر، وكثرة المال والولد، وأن يبارك الله له فيه، فوُلِدَ له مئةٌ وعشرونَ ذكرًا لِصُلبِهِ، وكان نخلُهُ يحمل في السنة مرتين، وعاشَ مئةً وعشرينَ سنة، أو نحوها.
وكان عُتيبة بنُ أبي لهبٍ قد شَقَّ قميصَه وآذَاه، فدَعَا عليه أن يُسلِّط الله عليه كلبًا من كلابه، فقَتَله الأسدُ بالزرقاءِ من أرض الشام.
وشُكِيَ إليه قُحُوط المطر وهو على المنبر، فدعا الله عز وجل وما في السماء قَزَعَةٌ، فثارَ سحابٌ أمثال الجبالِ، فمُطِرُوا إلى الجُمُعة الأخرى حتى شُكِيَ إليه كثرةُ المطر، فدعا الله عز وجل فأقْلَعَتْ، وخرجوا يَمْشونَ في الشمس.
وأطْعَم أهلَ الخندقِ (وهمْ ألفٌ) من صاع شعيرٍ، أو دونه، وبهمةٍ، فشَبِعُوا وانصرفوا والطعامُ أكثرُ مما كان.
وأطعَم أهلَ الخَنْدق أيضًا من تمرٍ يسيرٍ أتتْ به ابنةُ بشير بن سعدٍ إلى أبيها وخالها عبد الله بن رَوَاحة.
وأمرَ عمرَ بن الخطاب أن يزوِّدَ أربع مئة راكبٍ من تمرٍ كالفصيل الرابض، فزُوِّد، وبقي كأنه لم ينقص تمرةً واحدةً.
وأطعمَ في منزل أبي طلحة ثمانينَ رجلا من أقراص شعيرٍ جعلها أنسٌ تحت إبطِهِ، حتىى شَبِعُوا كلُّهم وبقي كما هو.
[وأطعَمَ الجيشَ من مِزْوَد أبي هريرة حتى شَبِعُوا كلُّهم]، ثم ردَّ ما بقيَ فيه، ودعا له فيه، فأكل منه حياةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأبي بكرٍ، وعمر، وعثمانَ رضي الله عنهم، فلما قُتِلَ عثمان نُهِبَ، وحُمِلَ منه-فيما روي عنه-خمسونَ وسقًا في سبيل الله عز وجل.
وأطعم في بنائِهِ بزينب من قَصعةٍ أهدتها له أمُّ سليم خَلقًا، ثم رُفِعَتْ، ولا يُدْرَى الطعام فيها أكثرُ حين وُضِعتْ أو حين رُفِعَتْ.
ورمى الجيشَ يومَ حُنين بقبضةٍ من ترابٍ، فهزمهم الله عز وجل.
وقال بعضُهم: لم يبقَ منا أحدٌ إلا امتلأت عيناه تُرابًا، وفيه أنزلَ الله عز وجل: ﴿وما رَمَيْتَ إذْ رميتَ ولكنَّ الله رَمَى﴾ [الأنفال : 17].
وخرج على مئةٍ من قريشٍ وهم ينتظرونَه، فوضع الترابَ على رؤوسِهم، ومَضَى ولم يَرَوه.
وتَبِعَهُ سُرَاقَةُ بنُ مالكٍ بن جُعشُمٍ يريدُ قتلَه أو أسْرَه، فلما قربَ منه، دَعَا عليه، فساختْ يدُ فرسِهِ في الأرض، فناداه بالأمانِ، وسأله أن يدعو له، فنجَّاه الله.
وله صلى الله عليه وسلم معجزاتٌ باهرةٌ، ودِلالاتٌ ظاهرةٌ، وأخلاقٌ طاهرةٌ، اقتصَرنا منها على هذا تخفيفا.