مجيب المحتاج في معرفة الإسراء والمعراج
الإسراء
معجزةُ الإسراءِ ثابتةٌ بنصّ القرءانِ والحديثِ الصحيحِ، فيجبُ الإيمانُ بأنّ الله أسرى بالنبيّ صلى الله عليه وسلم ليلًا منْ مكةَ المكرمةِ إلى المسجدِ الأقصى. وقدْ أجمَع أهلُ الحقِ من سَلَفٍ وخَلَفٍ ومحدثينَ ومتكلمينَ ومفسرينَ وفقهاءَ على أنّ الإسراءَ كان بالجَسَدِ والروحِ وفي اليقظةِ، وهذا هو الحقُّ، وهو قولُ ابنِ عباسٍ وجابرٍ وأنَسٍ وعمرَ وحذيفةَ وغيرِهِمْ منَ الصحابةِ وقولُ الإمامِ أحمدَ وغيرِهِ مِنَ الأئمةِ وقولُ الطبريّ وغيرهِ، فلا خلافَ إذًا في الإسراءِ به صلى الله عليه وسلم إذ فيه نصٌّ قرءانيٌّ، فلذلك قالَ العلماءُ: "إنَّ مَنْ أنكَرَ الإسراءَ فقدْ كذَّبَ القرءانَ ومَنْ كَذَّبَ القرءانَ فقد كَفَرَ".
وروى البيهقيُّ عنْ شدّادِ بنِ أوسٍ قال: قلنا يا رسولَ الله كيف أُسريَ بِكَ؟ قال: "صلَّيْتُ لأصحابي صلاةَ العَتَمَةِ بمكة مُعْتِمًا، وأتاني جبريلُ عليهِ السلامُ بدابّةٍ بيضاءَ فوقَ الحمارِ ودونَ البغلِ، فقال: اركبْ فاسْتَصْعَبَتْ عليَّ، فَدَارَها بِأُذُنِها ثم حَمَلني عليها، فانْطَلَقَتْ تهوي بنا يَقَعُ حافرُها حيثُ أدركَ طرفُها حتى بلغْنا أرضًا ذاتَ نَخْلٍ فأنزلني فقالَ: صَلّ. فصليتُ، ثم ركِبْنا فقالَ: أتدري أينَ صلَّيتَ؟ قلتُ: الله أعلمُ قالَ: صليتَ بيثربَ، صليتَ بطَيبةَ، فانطلقتْ تهوي بنا يقعُ حافرُها حيثُ أدركَ طَرْفها، ثم بلغنا أرضًا فقال: انزِلْ فنزلتُ ثم قال: صلّ. فصليتُ ثم ركبنا فقالَ: أتدري أينَ صليتَ؟ صليتَ بطورِ سيناءَ حيثُ كلّمَ الله عزَّ وجلَّ موسى عليهِ السلامُ، ثم انطلقتْ تهوي بنا يقعُ حافرُها حيث أدركَ طرْفُها، ثم بلغْنَا أرضًا بدتْ لنا قُصورٌ، فقالَ: انزِلْ. فنزلتُ فقالَ: صلّ. فصليتُ ثم ركِبنا قالَ: أتدري أينَ صليتَ. قلتُ: الله أعلمُ، قالَ: صليتَ ببيتِ لَحمٍ حيثُ ولدَ عيسى عليهِ السلامُ المسيحُ ابنُ مريَم، ثم انطلقَ بي حتى دَخَلْنا المدينة من بابِها اليمانيّ فأتى قِبْلَةَ المسجِدِ فرَبَطَ بِهِ دابّتَهُ ودخلْنا المسجدَ مِنْ بابٍ فيه تميلُ الشمسُ والقمرُ فصليتُ مِنَ المسجدِ حيثُ شاءَ الله".
وكانَ قد شُقَّ صَدرُ النبيّ صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يُسْرَى بهِ ليلًا منْ بيتِ أم هانئ منْ مكةَ المكرمةِ منَ المسجدِ الحرامِ.
قالَ أنسُ بنُ مالكٍ كانَ أبو ذرٍ يحدّثُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "فُرِجَ سقفُ بيتي وأنا بمكةَ فنزلَ جبريلُ ففرَجَ صدري ثُمَّ غَسَلَهُ من ماء زمزم ثم جاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذهبٍ ممتلئ حكمةً وإيمانًا فأَفْرَغَها في صدري ثم أطبقَهُ" رواه مسلمٌ.
وقَدْ جمعَ الله عزَّ وجلَّ لسيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم جميعَ الأنبياءِ صلواتُ الله وسلامُهُ عليهم في بيتِ المقدسِ مِنْ ءادمَ فمنْ بعدَهُ فصلَّى بهمْ إمامًا. وهذا دليل على أن الأنبياء لهم تصرف بإذن الله بعد موتهم وينفعون من شاء الله أن ينتفع منهم فهم ليسوا كالناس العاديين فقد روى البزار والبيهقي وغيرهما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "الأنبياء أحياءٌ في قبورهم يصلون".
وقالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراءِ والمعراجِ: "ثُمَّ دخلتُ بيتَ المقدسِ فجُمِعَ لِيَ الأنبياءُ عليهمُ السلامُ فَقَدَّمَنِي جبريلُ حتى أمَمْتُهُمْ ثم صُعِدَ بيَ إلى السماءِ" رواه النسائي.