مجيب المحتاج في معرفة الإسراء والمعراج
بسم الله الرّحمن الرّحيم
مقدمة
الحمدُ للهِ المعِزّ المذِلّ * ونعوذ به من أن نَضِلّ أو نُضِلّ * أو نَزِلّ أو نُزِلّ * هو نعم المولى ونعمَ النصير * وعليه تُكْلانُنا وإليهِ المصير * ولَهُ الإثَابَة * وإليهِ الإنابة * وإيّاه ندعو، فنسألهُ الإجابة * سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميعُ البصير * والصلاةُ والسلامُ على شمسِ الهدى الباهرِ أيَّما بَهْر * المنصورِ قبلَ سلّ وشَهْر * بالرعب من مسِيرةِ شهر * نبِيّنا الذي صَدَقَ وصدَع بالحقّ وجَهَر * فحَصَّ جناحَ الشّرْكِ إذ حَصْحَصَ وبَهَر * وأظهرَه اللهُ فظهر * وعلى ءاله الذائدين عن حِياض الشَّرْع * وكيف لا والأصلُ يتبعُه الفرعُ * وصحبِهِ كُماةِ الجهاد * حماةِ الوهادِ * مَنِ استَمْسَكوا فاقتَفوْا هدْيَ هاد *
أما بعدُ:
فقَدْ قالَ اللهُ تباركَ وتعالى:﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾ (سورة الإسراء/1).
السَّبْحُ في اللغة معناه التباعد. ومعنى سبحان الله تنزه الله عن مشابهة الخلق بأي وجه من الوجوه. والإسراء هو السير بالليل، فالإسراء والمعراج حصلا في جزء من ليلة واحدة، والمسجد الحرام سمي بذلك لحرمتهِ وللأحكام الخاصة به منها: مضاعفة أجر الصلاة فيه أضعافًا كثيرة، ووجوده في مكة أفضل بقاع الأرض، وتحريم صيد البرّ في الحرم. والمسجد الأقصى سمي بذلك لبعده عن المسجد الحرام، وكلاهما بناهما ءادم عليه السلام، بنى الكعبة ثم بعد أربعين سنة بنى المسجد الأقصى، وسماه الله مسجدًا مما يدل على أنه كان عمل كسائر أماكن عبادة المسلمين أتباع كل الأنبياء لعبادة الله الواحد بالصلاة التي يسجد فيها المسلم لله. وقوله تعالى:﴿بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾ معناه أنّ أرض الشام أرض مباركة، فقد ثبت في الصحيح صحيح البخاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا" قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله؟ قال: "هناك الزلازل والفتن هناك يطلع قرن الشيطان". فأرض الشام مباركة وفلسطين التي فيها المسجد الأقصى من الشام.
والله تباركَ وتعالى بعث الأنبياءَ رحمةً للعبادِ، إذْ ليسَ في العَقْلِ ما يُسْتَغْنى به عنهم، لأن العَقْلَ لا يستِقلُّ بمعرفةِ الأشياءِ المنجيةِ في الآخرةِ، فالله تعالى مُتَفَضّلٌ بها على عبادِهِ. وقد أيَّدَ الله تباركَ وتعالى الأنبياءَ بمعجزاتٍ لتكونَ دليلًا على صدقهم. والمعجزةُ أمرٌ خارقٌ للعادةِ يَظْهَرُ على يدِ مُدَّعِي النبوةِ، موافقٌ للدعوةِ، سالمٌ من المعارضةِ بالمثلِ، وكان صلى الله عليه وسلم أعظمَ الأنبياءِ معجزاتٍ، فقدْ نَقَلَ ابنُ أبي حاتمٍ في كتابِ مناقبِ الشافعيّ عن أبيهِ عن عمَرَ بنِ سواد عن الشافعي قال:
"ما أعطى الله شيئًا ما أعطى محمدًا فقلتُ أعطى عيسى إحياءَ الموتى قالَ: أُعْطِيَ محمدٌ حنينَ الجذْعِ حتى سُمِعَ صوتُه فهذا أكبرُ مِنْ ذلكَ".
وَقَدْ قالَ بعضُ المادحينَ:
إنْ كانَ موسى سقى الأسْباطَ مِنْ حَجَر
فإنَّ فِي الكَفّ معْنًى ليسَ في الحَجَر
إنْ كانَ عيسى برا الأعمى بدعوتِهِ
فكمْ براحتِهِ قَدْ رَدَّ مِنْ بَصَر