واجتهدْ يا بـنيَّ في صيانةِ عِرْضِكَ مِنَ التعرُّضِ لطلَبِ الدنيا والذلِّ لأهلِهَا .واقنعْ تعِزَّ فقدْ قيلَ منْ قنَعَ بالخُبزِ والبقْلِ1 لم يستعبدْهُ أحدٌ. ومرَّ أعرابيٌ على البصرةِ فقالَ مَنْ سيِّدُ هذه البلدةِ قيلَ لهُ الحسنُ البصريُّ وقالَ: وبِم سادَهُمْ؟ قالُوا لأنَّهُ استغْنَى عنْ دُنياهُمْ وافتقَرُوا إلى عِلْمِهِ .واعلمْ يا بنيَّ أنَّ أبي كانَ موسِرًا وخلَّف ألوفًا مِنَ المالِ فلمَّا بلغْتُ دفعُوا لي عشرينَ دينارًا ودارَينِ وقالُوا لي هذهِ الترِكةُ كلُّهَا فأخذتُ الدنانيرَ واشتريتُ بِهَا كُتبًا مِنْ كتبِ العلْمِ وبعْتُ الدارَينِ وأنفقْتُ ثمنَهُمَا في طلبِ العلْمِ ولمْ يبقَ لي شىءٌ مِنَ المالِ وما ذَلَّ أبوكَ في طلَبِ العلْمِ قطُّ ولا خرجَ يطوفُ في البلدانِ كغيرِهِ مِنَ الوُعَّاظِ2 ولا بعَثَ رُقعةً إلى أحدٍ يطلبُ منهُ شيئًا قطُّ وأمورُهُ تَجري على السدَاد: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾.
---------------------------