الخلق الحسن
اتَّقُوا دَعوَةَ الْمَظلُوم
قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصحابـيٍّ اسمُهُ أبو جُرَيٍّ "إنِ امرؤٌ عيَّرَكَ بما ليسَ فيكَ فلا تُعَيّـِرْهُ بما فيهِ"، فقالَ أبو جُرَيٍّ: "فما سَببْتُ بعد ذلكَ ولا دابّةً". أي أنَّهُ امتثلَ كلامَ رسولِ اللهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ. معنى الحديثِ أنتَ سامِـحْهُ ولا تعمَلْ معَهُ كما عَمِلَ معكَ فإنَّ هذا أفضلُ. إذا مسلمٌ سَبَّ مُسلمًا فإنَّهُ إذا لـم يَرُدَّ عليهِ فهو أفضلُ عندَ اللهِ وإنْ ردَّ عليهِ بالمثلِ فليسَ عليهِ إثمٌ، يكونُ قد أَخَذَ حقَّهُ. لكنِ الذي لا يردُّ بالمثلِ أفضلُ، ولو عَيَّرَهُ الناسُ وظنوا بِهِ أنَّهُ جبانٌ فلا يُبالي، الإحسانُ إلى مَنْ يُسِيْءُ إليكَ في الشرعِ مطلوبٌ.
أما إذا زادَ بالسبِّ كأنْ قالَ لهُ شخصٌ: "يا ظالمُ" فقالَ لهُ الآخرُ: "يا ظالمُ يا خبيثُ" فهذا تعدَّى لأنَّهُ زادَ، أما لو قالَ لَهُ "يا ظالمُ" يكونُ أخذَ حقَّهُ، لكنْ أكثرُ الناسِ لا يكتفُونَ بالمثلِ فهذا لا يجوزُ. ثم إنَّهُ إذا شتمَ شخصٌ شخصًا فلا يجوزُ للمشتومِ أن يقتَصَّ منهُ بالضربِ، إنما يجوزُ لَهُ أن يقتَصَّ منهُ بالمثلِ "السَّبُّ بالسَّبِّ".
ثم إنَّ المظلومَ إذا دعا على الظالمِ كأن قالَ "اللهُمَّ انتقِمْ منهُ" ما عليهِ إثمٌ، بل وردَ في الحديثِ بأنَّ دعوةَ المظلومِ لو كان كافرًا لا تُرَدُّ، اللهُ يستجِيبُها. عن ابنِ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثَ مُعاذًا إلى اليمنِ، فقالَ:"اتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنَّهُ ليسَ بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ" رواهُ البُخاريُّ ومسلمٌ وغيرُهما.
كذلك رَوَى الطَّبَرَانِيُّ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:"اتَّقُوا دَعوَةَ الْمَظلُومِ فَإنَّهَا تُحمَلُ عَلَى الغَمَامِ". ويَقُولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ في الحديث القدسي :"وعِزَّتِي وجَلَالِي لأَنصُرَنَّكِ ولو بَعدَ حِينٍ" حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :"أَنزلَ اللهُ على إبراهيمَ عشرَ صحائفَ وكلُّها أَمثالٌ - أي وَعظٌ - ، فيها: أيها المَلِكُ المُبتلى المُسَلَّطُ المغرورُ ما بعثْتُكَ لتجمعَ المالَ بعضَهُ إلى بعضٍ إنما بعثْتُكَ لتَرُدَّ عني دعوةَ المظلومِ، فإني لا أردها ولو كانت مِنْ كافرٍ" رواهُ ابنُ حبانَ. فالكافرُ إذا ظُلِمَ إذا دعا اللهَ تعالى يَقْبَلُهُ، سواءٌ دعا على مسلمٍ أو غيرِ مسلمٍ.
وأما قولُهُ تعالى:"وَمَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ" "سورة الرعد/١٤" أي عبادتُهم في ضلالٍ فالكافرُ عبادتُهُ لا تنفعُ، لا تنفعُهُ في الآخِرَةِ لأنَّهُ ما دخلَ في الإسلامِ. ولكنَّ الدعاءَ على مَنْ ظلمَهُ اللهُ يقبلُهُ.
اللهم أعنا على ذِكرِكَ وشُكرِك وحُسنِ عبادتك، اللهم أنت السّلامُ ومنكَ السلام تبارَكت يا ذا الجلال والإكرام.