الخلق الحسن
من ردّ عن عِرضِ أخيه ردَّ اللهُ عن وجهِهِ النار يوم القيامة
الحمد لله رب العالمين الذي شرع لنا مِن الدين ما فيه صلاحُ ءاخِرَتِنا ودُنيانا، فأحلَّ لنا أمورًا لِنَرْتَفِقَ بها في معيشتِنا وعن أمورٍ نهانا، وهدانا للإيمان وجعلنا مسلمين وفي دِينه إخوانا، وعَظَّمَ شأن المسلمِين فحرَّمَ دماءنا وأموالنا وأعراضنا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوثِ رحمةً للعالمين وعلى ءاله وصحابته الطيبين الطاهرين ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد ففي الصحيحينِ من حديثِ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي بَكْرَةَ عن أبيهِ رضيَ اللهُ عنهما قالَ: خَطَبَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِـمِنًى فقالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فَأَعَادَهَا مِرَارًا".
بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ حُرمَةَ التعرّضِ للمسلم بالأذى في دمه وماله وعِرضِهِ في أي وقت من الأوقات كحُرمة انتهاك ذلك منه في مثل ذلك اليوم وذلك الشهر وذلك البلد فإنَّ للمسلم حُرْمَةً أي حصانةً حصَّنه الله بها فلا يجوز قتلُهُ ولا ثَلْبُ عِرْضِهِ ولا أخذُ ماله بغير حق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ما رواه ابن ماجه: "والذي نفسُ محمَّدٍ بيده لَحُرمَةُ المؤمن أعظم عند الله من حُرمة الكعبة". بل قتل المسلم أعظم عند الله عز وجل من زوال الدنيا فقد روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" رواه الترمذي. وقال ربنا تبارك وتعالى في سورة النساء ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ أي لا يأكل بعضُكم مالَ بعضٍ بالباطل ولا يقتُل بعضكم بعضًا، وقوله تبارك وتعالى ﴿لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ﴾ ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ ذلك لأنّ المؤمنين إخوة فالمكروه الذي يصيب بعضهم كأنه يصيب جميعهم فما أصاب أخاه من مكروه فكأنما أصابَه هو.
فليحرص الواحد منا على دم أخيه فليحفظه من نفسه وغيره وليحرص الواحد منا على مال أخيه فليحفظه من نفسه وغيره فلا يأكل ماله بالباطل بسرقة أو غصب أو غش أو خداع، وليحرص الواحد منا على عرضِ أخيه من نفسه وغيره فلا يغتبه ولا يَبهتهُ وليذُبَّ عن عِرضِ أخيه إن ذُكِر بسوء أمامه أو علم بذلك ولو لم يذكر بحضرته. روى الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "من ردَّ عن عِرضِ أخيه ردَّ اللهُ عن وجهِهِ النار يوم القيامة".
وجِماع هذا الأمر ما قاله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم "من أحبّ أن يُزحزَحَ عن النار ويدخلَ الجنة فلتأتِهِ منيَّتُهُ وهو يؤمنُ بالله واليومِ الآخِرِ وليأتِ إلى الناسِ الذي يُحبُّ أن يؤتَى إليه" رواه مسلم. فهذا وعدٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق بأن من كان هذا حالَهُ يزحزح عن النار أي لا يدخلها بل يُدخل الجنة.
فكونوا عبادَ الله إخوانًا، المسلمُ أخو المسلمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَكْذِبُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ قال عليه الصلاة والسلام "بِحَسْبِ امْرِىءٍ منَ الْشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ" رواه مسلم.
ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ربّنا ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين ءامنوا، اللهمّ استر عوراتنا وءامن روعاتنا، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا، وءاخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى ءاله وصحبه وسلم.