الخلق الحسن
الإِنْسَان إذا الْتَزَمَ الحياءَ صارَ محمودَ السِّيرةِ عندَ اللهِ وعندَ الناسِ
إنَّ أحقَّ منْ نَسْتَحْيي مِنهُ هوَ اللهُ تبارك وتعالى الذِي لا تخفَى عليهِ خافيةٌ، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، وإنَّ الحياءَ منَ اللهِ يَكُونُ بِالإيمانِ بهِ وأداءِ ما افْتَرَضَ وتركِ ما حَرَّمَ، وغايةُ الحياءِ كما في حديثِ ابنِ مَسْعُودٍ أنَّ النَّبيَّ قال:"استَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ"، فقلنا: يا نبيَّ الله إنا لنَسْتَحْيِي. قال : "ليسَ ذَلكَ ، ولَكِنْ مَنِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حقَّ الحياءِ فلْيَحْفَظِ الرَّأْسَ وَمَا حَوَى وَالْبَطْنَ وَمَا وَعَى، وَلْيَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ" رواهُ الترمذيُّ.
وكذلك يَجِبُ الحياءُ مِنَ النبيِّ فلا نُخَالِفُ سُنَّتَهُ، ولا نَقَعُ في أعراضِ أُمَّتِهِ، ولا نُخالِفُ أخلاقَهُ الْحَسَنَةَ الَّتِي مِنْهَا الحياءُ، فَعَنْ أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: "كَانَ النَّبِيُّ أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا" رواهُ البخاريُّ.
وَكَذَلِك يَجِبُ الحياءُ منْ عَامَّةِ الْمُجْتَمَعِ؛ لأنَّ الْمُجْتَمَعَ لا يَذُمُّ مِنَ الأخلاقِ إلا سَيِّئَهَا، وَيَشْهَدُ لِذَلك حديثُ النَّواسِ بنِ سَمْعَانَ عنِ النَّبيِّ قالَ :"الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالإثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ" رواهُ مسلمٌ.
ثُمَّ إنَّ الإِنْسَانَ إذا الْتَزَمَ الحياءَ صارَ محمودَ السِّيرةِ عندَ اللهِ وعندَ الناسِ، طَيِّبَ الذِّكْرِ حَسَنَ السُّمْعَةِ، سَعِيدًا في حياتِهِ وبعدَ مَمَاتِهِ، مِصْدَاقًا لقولِهِ تَعَالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ سورة التوبة/105. وإذا نَزَعَ الإنسانُ ثوبَ الحياءِ ارْتَكَبَ كُلَّ قبيحٍ، ولم يأتِ بِمَعروفٍ، فَيَصدقُ عليهِ قَولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى، إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَاشِئْتَ" رواهُ البخاريُّ.
ويكفي الحياءَ فضلا أنَّهُ مِنْ صفاتِ اللهِ تعالَى، وصفاتِ رسولِهِ وصفاتِ أصحابِهِ رضوانُ اللهِ عليهم والْخَيِّرِينَ منْ كُلِّ أُمَّةٍ، فقد قَال رَسُولُ اللَّهِ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ؛ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ" رواهُ أبو داودَ. معنى حييٌّ أي يُحِبُّ الحياءَ، الحياءُ بالنسبةِ للهِ ليسَ انفعالًا بل صفةٌ أزليةٌ أبديةٌ. المحبةُ والبغضُ إذا أُضيفا إلى اللهِ ليسَ معناهُ الانفعالَ الذي يحصلُ للمخلوقِينَ. وصفةُ الحياءِ للهِ أي تنـزهُهُ عنِ السوءِ.أما الاستحياءُ الذي نحن نعرفُهُ من أنفسِنا هذهِ صفةٌ حادثةٌ لا تجوزُ على اللهِ، من اعتقدَها في اللهِ خَرجَ من الدينِ؛ لأنهُ جعلَهُ مثلَ خَلقهِ.
وكانَ النبيُّ كما أسلفنا أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا. وكانَ الحياءُ من صفاتِ أصحابِ رَسُولِ اللهِ "وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ" أي أكثرُهُمْ حَيَاءً كَمَا فِي الْحَديثِ الشَّريفِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ الحياءَ لا يمنعُ من تَعَلُّمِ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَاسْتِفتَاءِ أَهْلِ الذِّكْرِ فِي الدِّينِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: "نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأنْصَارِ، لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ" رواهُ البخاريُّ. معناهُ أنَّ نساءَ الأنصارِ لهُنَّ فضيلةٌ وهي أنهُنَّ ما منعَهُنَّ الحياءُ أن يتعلمن عِلمَ الدينِ، معناهُ كُنَّ يَسْأَلْنَ عَنْ كُلِّ ما يَحْتَجْنَ إليهِ مِنْ عِلمِ الدينِ حتى عن المسائلِ التي يستحي منها الناسُ.