الخلق الحسن
الرسول صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا يُسألُ عن شىءٍ إلاَّ أعطاهُ
الإيثارُ هديٌّ جميلٌ وسلوكٌ حميدٌ وخُلُقٌ عظيمٌ مِنْ أَخلاقِهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. ففي صحيحِ مسلمٍ عن أنس بن مالك قالَ: فجاءَ رجلٌ فأعطاهُ غنمًا بينَ جبلينِ فرجعَ إلى قومِهِ فقالَ: يا قومِ أسلِموا فإنَّ محمدًا يُعطي عطاءَ مَنْ لا يخشى الفاقةَ أي الفقر.
الإيثارُ معناهُ أن يُؤْثِرَ أَخاهُ المسلمَ على نفسِهِ بالنسبةِ لأمورِ الدنيا ابتغاءَ ثوابِ الآخرةِ، فهو أعلى درجاتِ المعاملةِ مَعَ الناسِ، يَجْلِبُ حُبَّهُمْ ويَطْرُدُ غضبَهُم ويُذهِبُ حَسَدَهُم، فضلًا عما يجِدُهُ صاحبُ الإيثارِ مِنَ الثوابِ الكبيرِ والأجرِ العظيمِ والخيرِ العَمِيمِ في الدنيا والآخرةِ.قالَ اللهُ تعالى مادحًا مَنْ تخلَّقَ بخُلُقِ الإيثارِ ولو كانت بهم حاجةٌ لكنَّهم يُؤثِرُونَ غيرَهم على أنفسِهِم: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر/ 9].
حتى إنَّ بعضَ الصحابةِ ذاتَ يومٍ صُرِعُوا يعني ارتَمَوا على الأرضِ ينتظرونَ الموتَ وهم عِطَاشٌ، ثم أحدُهم ناولَهُ شخصٌ الماءَ فرأى أخاهُ الذي هو مثلُه مصروعٌ ينظرُ إلى هذا الماءِ فآثَرَهُ على نفسِه ولا يظنُّ بنفسِهِ الهلاكَ ثم ذاكَ أيضًا ءاثرَ ءاخرَ ثم ذاكَ ءاثرَ ءاخرَ على نفسِه حتى ماتوا كُلُّهم ولم يَشرَبُوا من هذا الماءِ. الصحابةُ إلى هذا الحدِّ يُؤْثِرُونَ على أنفسِهم، كانوا يتحابُّونُ ويتعاطفُونَ.
روى الإمامُ البخاريُّ أنَّهُ لَما قَدِمَ المهاجرونَ المدينةَ ءاخى رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بينَ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ وسعدِ بنِ الرَّبِيعِ، قالَ سعدٌ لعبدِ الرحمنِ: إني أكثرُ الأنصارِ مالًا فأَقسِمُ مالي نصفينِ، ولي امرأتانِ فانظُرْ أعجبَهُما إليكَ فسمِّها لي أُطلِّقُها، فإذا انقضَتْ عِدَّتُها فتزَوَّجْها، قالَ عبدُ الرحمنِ: باركَ اللهُ لكَ في أهلِكَ ومالِكَ، أينَ سُوقُكُم؟ فذهبَ وباعَ واشترى ورَبِحَ، ولم يَزَلْ على هذهِ الحالِ حتى كَثُرَ مالُهُ وكانَ لَهُ ما كانَ مِنَ المالِ والصدقاتِ.
إن سعدًا رَضِيَ اللهُ عنهُ لم يَكْتَفِ بعرضِ نصفِ مالِهِ على أَخيهِ عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ رضيَ اللهُ عنهُ، وكانَ المالُ كافيًا للنفقةِ على نفسِهِ ولأَداءِ مهرٍ لامرأةٍ يتزوجُها والإنفاقِ عليها، بل أرادَ أن يتساوى هو وأخوهُ في الإسلامِ في كُلِّ ما يَملِكُ.
وإذا كان سعدٌ الأنصاريُّ قد وصَلَ إلى تلكَ الدرجةِ من الإيثارِ، فإنَّ عبدَ الرحمنِ الـمُهَاجِرِيَّ قد وصلَ إلى ما وصلَ من الزهدِ والقناعةِ والاستغناءِ باللهِ عن الناسِ، فآثرَ أن يسعى بنفسِهِ في كسبِ رزقِهِ حتى أغناهُ اللهُ.
وخرَّجَ البخاريُّ منْ حديثِ سهلِ بنِ سعدٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: جاءتِ امرأةٌ ببردةٍ أي ثوبٍ مثلِ الشملةِ وقالت: يا رسولَ اللهِ نسجتُ هذه بيدِي أكسوكَها، فأخذَها النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ثم خرجَ إلينا فقالَ رجلٌ مِنَ القومِ: يا رسولَ اللهِ أُكْسُنِيها، فقال: نعم، فجلسَ ثم رجعَ فطواها ثم أرسلَ بها إليهِ، فقالَ لهُ القومُ: ما أحسنتَ، سألتَهُ إيَّاها لقد علمتَ أنَّهُ لا يَرُدُّ سائلًا فقالَ الرجلُ: واللهِ ما سألتُهُ الا لتكونَ كفني يومَ أموتُ. قالَ سهلٌ رضيَ اللهُ عنهُ: فكانت كفنَهُ.
وكان جودُهُ كلُّهُ للهِ وفي ابتغاءِ مرضاتِهِ فإنَّهُ كان يبذُلُ المالَ إمَّا لفقيرٍ أو محتاجٍ أو يُنْفِقُهُ في سبيلِ اللهِ أو يتألفُ بِهِ على الإسلامِ من يقوى الإسلامُ بإسلامِهِ وكان يُؤْثِرُ على نفسِهِ وأهلِهِ وأولادِهِ فيُعطي عطاءً يَعجِزُ عنهُ الملوكُ مثلُ كسرى وقيصرَ.
وفي الصَّحيحَيْنِ عنْ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما قالَ كان النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أجودَ الناسِ وكان أجودَ ما يكونُ في رمضانَ حينَ يلقاهُ جبريلُ فيُدراسهُ القرءانَ فَلَرسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ حينَ يلقاهُ جبريلُ أجودَ بالخيرِ من الريحِ الـمُرْسلَةِ.