الخلق الحسن
لولا أنَّ الأنبياءَ حلماءُ ما نفعوا أقوامَهم
معناهُ عندما يُكَلِّمُونَ الناسَ للدخولِ في الدينِ يكونونَ حلماءَ؛ لأنَّهم إذا لم يكونوا يعاملونَهم لأولِ مرةٍ بالحِلْمِ ينفِرونَ، الرسولُ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ كانوا يسبُّونَهُ ويضربونَهُ ولا يُقابِلُهم بالسبِّ والضربِ مع أنَّهُ لهُ قوةُ أربعينَ رجلًا.
كثيرٌ من الأولياءِ ماذا كانوا؟
بعضُهم كانوا سفهاءَ وبعضُهم كانوا قطاعَ طريقٍ، أشكالًا وألوانًا كانوا ثم لَما سلكوا طريقَ أهلِ اللهِ صاروا أولياءَ.
الحلمُ يُكْتَسَبُ، بعضُ الناسِ يكونونَ شرسينَ ثم يتعلمونَ ويتَّقُونَ فيصيرونَ حلماءَ. كثيرٌ من الأولياءِ كانوا شرسينَ ثم لما سلَكوا طريقةَ الأولياءِ تغيَّرُوا.
سيدُنا عيسى عليهِ السلامُ قالَ لهُ الحواريونَ: يا روحَ اللهِ هل بعدَنا من أمةٍ؟رُوحُ اللهِ أي أنَّ المسيحَ روحٌ خلَقَهُ اللهُ وشرّفَهُ وطهّرَهُ وكرّمَهُ هذا معناهُ ليس المعنى أن المسيحَ جُزءٌ من اللهِ، اللهُ تعالى مُنَـزَّهٌ عن أن يكونَ لَهُ أصلٌ أو أن يكونَ هو أصلًا لغيرِهِ، ليسَ أصلًا لغيرِه ولا فرعًا عن غيرِهِ.
قالَ عليهِ السلامُ: "نعم، يأتي بعدَكُم أمةُ أحمدَ حكماءُ علماءُ أبرارٌ أتقياءُ كأَنَّهم في الفقهِ أنبياءُ يرضَوْنَ من اللهِ باليسيرِ مِنَ الرزقِ ويرضى عنهم باليسيرِ من العملِ". كما أخرجَهُ الترمذيُّ عن كعبِ الأَحبارِ.
جاءَ عن عيسى عليهِ السلامُ أنَّهُ سألَهُ بعضُ تلاميذِهِ قالوا له: هل يأتي بعدَنا مثلُنا أي مسلمونَ قالَ: "نعم، أمةُ محمدٍ علماءُ حلماءُ بررةٌ أتقياءُ كأنَّهم مِنَ الفقهِ أنبياءُ". وهَذَا تَشبِيهٌ صَحِيحٌ، لَيسَ مَعنَاهُ أَنَّهُم يُسَاوُونَ الأنبِيَاءَ فِي الدَّرَجَةِ، الأنبِيَاءُ لا يُسَاوِيهِم فِي الدَّرَجَةِ أَحَدٌ.
وصفَ عليهِ السلامُ عُلَمَاءَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ بالعلمِ ووصفَهُم بالحِلمِ، ووصفَهم بأنهم بررةٌ أتقياءُ، ووصفَهم بالفقهِ العظيمِ حتى شبَّهَهُم المسيحُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ بالأنبياءِ قالَ: "كأنَّهم مِنَ الفقهِ أنبياءُ" بمعنى أنَّهُ لا يُوازي أمةَ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - بكثرةِ علمِ الدينِ بكثرةِ علمِ الشرعِ بكثرةِ علمِ الآخرةِ - أمةٌ من أُمَمِ الآخرينَ.
فعيسى عليهِ السلامُ بقولِهِ: "علماءُ حلماءُ بررةٌ أتقياءُ كأنَّهم مِنَ الفقهِ أنبياءُ" أرادَ بذلكَ من يأتي في أمةِ محمدٍ من العلماءِ الربانيينَ وهم الذين جمعوا بينَ العلمِ والعملِ والتعليمِ أي يُعَلِّمُونَ علمَ دينِ اللهِ.
لم يُؤتِ اللهُ تعالى أحدًا من أُممِ الأنبياءِ ما ءاتى أمةَ محمدٍ في علمِ الفقهِ في الدينِ فعلماءُ أمةِ محمدٍ هم أعلمُ بعلمِ الدينِ من علماءِ سائرِ الأممِ وهم أكثرُ من الأممِ الماضينَ قبلَ سيدِنا محمدٍ.
فأُمةُ موسى كانوا أكثرَ أُمَمِ الأنبياءِ قبلَ أمةِ محمدٍ ومع كونِهم كذلكَ فهم بالنسبةِ لأمةِ محمدٍ قلةٌ، وفقهاؤُهم أقلُّ فقهًا من علماءِ أمةِ محمدٍ.
الحلمُ مِنْ أحسنِ الخصالِ، الأنبياءُ لولا أنهم حلماءُ ما نفعوا أقوامَهم لكن التزموا الحلمَ والصبرَ فنفعوا أممَهم، فالحلمُ من أفضلِ الخصالِ، من فَقَدَ الحِلمَ لا يَكثُرُ نفعُهُ.