كيف أسلم؟
عمرو بن العاص
كان عمرو من بني سهم من أسياد قريش، وقد نشأ مع أبناء الأشراف في مكة التي كانت مركز حركة الحجاز التجارية والأدبية، يفد إليها العرب من كل حدب وصوب، فيتناقلون الآداب بعضهم عن بعض، ويتناشدون الأشعار الحماسية، فتغرس هذه المظاهر في نفوس أطفالهم المواهب النادرة، والقرائح الوضاءة.
على أن عمرًا كان من أشد القرشيين عداوة للإسلام وكان أحد الرسل الذين بعثتهم قريش إلى النجاشي ليرد من هاجر إلى بلاده من القرشيين إلى مكة، إذ انصرف يوم الأحزاب عن الخندق، فجمع رجالاً من قريش كانوا يرون رأيه ويسمعون منه، فقال لهم: تعلمون والله أني أرى أمر محمد يعلو الأمور علوًا منكرًا، وإني لقد رأيت أمرًا فما ترون فيه؟ قالوا: وما رأيت؟ قال: رأيت أن نلحق بالنجاشي فنكون عنده، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي فإنا إن نكن تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد، وإن ظهر قومنا فلن يأتينا منهم إلا خير. قالوا: إن هذا لرأي. فقال: فاجمعوا لنا ما نُهدي له فكان أحب ما يُهدى إليه من أرضنا الأدَمُ. يقول عمرو: فجمعنا له أدمًا كثيرًا ثم خرجنا حتى قدمنا عليه.
وبينما هم عنده إذ دخل عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إلى النجاشي في أمر، فدخل عليه ثم خرج من عنده، فقال عمرو بن العاص لصاحبه: هذا عمرو بن أمية لو دخلت على النجاشي فسألته إياه فاعطانيه فضربت عنقه، فإذا فعلت رأت قريش أني قد أجزأتُ عنها حين قتلت رسول محمد.
فدخل عمرو، فقال النجاشي: مرحبًا بصديقي هل أهديت لي من بلادك شيئًا؟ فقال عمرو: نعم، أيها الملك قد اهديت لك أدمًا كثيرًا. قال: ثم قربته إليه فأعجبه واشتهاه. ثم قال له: أيها الملك، إني قد رأيت رجلاً خرج من عندك وهو رسول رجل عدو لنا فأعطنيه لأقتله فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا. قال: فغضب وظهر عليه غضب شديد فقال عمرو: أيها الملك والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألته. قال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى فتقتله؟ فقال عمرو: أيها الملك، أكذلك هو؟ قال: ويحك يا عمرو أطعني واتبعه فإنه والله لعلى خلق وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى بن عمران على فرعون وجنوده.
فقال عمرو بن العاص: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله.
ثم ذهب عمرو إلى المدينة المنورة لمبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما وقف بين يديه قال: يا رسول الله إني أبايعك فادعُ الله أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يجبُّ ما قبله" أي يهدم ما قبله، فبايعه ثم انصرف.