قال الله تعالى في القرءان الكريم: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ ءامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (63) وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ للهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (64)﴾ [سورة يونس].
قول الإمام القشيري
وقال الإمام القشيري: الولي من توالت طاعاته، ومن تولى الحق سبحانه حفظه، وإنما يديم توفيقه الذي هو قدرة الطاعة قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196)﴾ [سورة الأعراف] ولا يكون معصومًا كالأنبياء بل يكون محفوظًا حتى لا يصر على الذنوب.
تفسير الفخر الرازي
وقال الله تعالى: ﴿وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا (16) وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ (17)﴾ [سورة الكهف] الآية.
وقد بسط الكلام في تفسير هذه الآية على إثبات كرامات الأولياء الفخر الرازي في تفسيره الكبير فقال:"احتج أصحابنا الصوفية بهذه الآية على صحة القول بالكرامات".
دلائل الكرامات
ومن دلائل الكرامات نص القرءان في قصة صاحب سليمان عليه السلام ءاصف بن برخيا في قوله تعالى: ﴿أَنَا ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (40)﴾ [سورة النمل] ولم يكن نبيًّا، والأثر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صحيح أنه قال: يا سارية الجبل الجبلَ في حال خطبته يوم الجمعة، وتبليغ عمر إلى سارية في ذلك الوقت حتى تحرزوا من مكامن العدو من الجبل تلك الساعة.
وأنشدوا: (الرجز)
وأَثبتن للأوليا الكرامه ***** ومن نفاها فانبذن كلامه
كرامات الأولياء ثابتة بالقرءان
واعلم أن كرامات الأولياء ثابتة بالقرءان والحديث وما تواتر من أخبار على مر العصور والأزمان، وهذا هو الحق عند جمهور أهل السنة. وهي أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة ولا هو مقدمة لها يظهر على يد عبد ظاهر الصلاح ملتزم متابعة نبيّ كلف بشريعته، مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح علم بها أو لم يعلم، فامتازت بعدم الاقتران (أي بدعوى النبوة) المذكور عن المعجزة، كما وأنها تختلف عن الإرهاص، والإرهاص ما يحصل للنبي قبل نزول الوحي عليه كتسليم الحجر على رسول الله في شعاب مكة، وامتازت بظهور الصلاح عما يسمى معونة كالتي تظهر على يد بعض عوام المسلمين تخليصًا لهم من المحن والمكاره، وبالتزام متابعة نبي كلف بشريعته عن الخوارق المؤكدة لكذب الكذابين وتسمى إهانة كبصق مسيلمة الكذاب في بئر عذبة الماء ليزداد ماؤها حلاوة فصار ملحًا أجاجًا.
وليس إنكار الكرامة من أهل البدع بعجيب إذ لم يشاهدوا ذلك من أنفسهم ولم يسمعوا به من رؤسائهم مع اجتهادهم في العبادات صورة واجتناب السيئات بزعمهم، فوقعوا في أولياء الله تعالى أهل الكرامات يأكلون لحومهم ويمزقون أديمهم جاهلين كون هذا الأمر مبنيًا على صفاء العقيدة ونقاء السريرة واقتفاء الطريقة واصطفاء الحقيقة.
قول أبو بكر الأشعري
وقال الإمام القشيري: قال أوحد فنه في وقته القاضي أبو بكر الأشعري رضي الله عنه: إن المعجزات تختص بالأنبياء، ولا تكون للأولياء معجزة لأن من شرط المعجزة اقتران دعوى النبوة بها، والمعجزة لم تكن معجزة لعينها إنما كانت لحصولها على أوصاف كثيرة، فمتى اختل شرط من تلك الشرائط لا تكون معجزة وأحد تلك الشرائط دعوى النبوة، والولي لا يدعي النبوة، فالذي يظهر عليه لا يكون معجزة، قال القشيري: وهذا القول الذي نعتمده ونقول به، فشرائط المعجزات شكلها أو أكثرها توجد في الكرامة إلا هذا الشرط الواحد.
كرامة الولي
واعلم أن كل كرامة لولي هي معجزة للنبي الذي يتبعه ذلك الولي، وما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي إلا ما كان من خصائص النبوة.
وأنشدوا قولهم: (الكامل)
والأوليا اذكرهم بخير إنهم **** تبعوا الرسول بصحة الآداب
خدموا الشريعة وما اتبعوا الهوى **** متمسكين بأشرف الأنساب
صحت ولايتهم بشاهد حالهم **** فَعَلَوْا وصاروا وجهة الطلاب
لهم الكرامات التي ظهرت بنا **** كالشمس ما حجبت ببرد سحاب
دليل جواز كرامات الأولياء
اعلم أن الذي يدل على جواز كرامات الأولياء القرءان والأخبار والآثار.
فأما الأول: ما جاء في قصة مريم عليها السلام وولادتها عيسى دون زوج، وكفالة زكريا لها عليه الصلاة والسلام، وكان لا يدخل عليها غيره وإذا خرج من عندها أغلق عليها سبعة أبواب، وكان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، ومن قصة أصحاب الكهف ولبثهم في كهفهم سنين بلا طعام ولا شراب، ومن قصة ءاصف بن برخيا وإتيانه بعرش بلقيس قبل ارتداد طرف سليمان عليه السلام، وكذلك قصة إماتة عزير مائة عام، ومن ذلك قصة ذي القرنين وتمكينه في الأرض وملكه تلك المساحة الشاسعة في المدة القليلة.
والثاني: ما ورد في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن الصالح جريج الذي أكرمه الله بأن أنطق له غلامًا في المهد وخبر الثلاثة الذين ءاواهم المبيت إلى غار فدخلوه فسدت عليهم الغار صخرة فأكرمهم الله بأن نجاهم بصالح أعمالهم.
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ربَّ أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" رواه مسلم والأخبار كثيرة، ومنها ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه أنه قال: "فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها" رواه البخاري، ويقول الإمام الرفاعي رضي الله عنه في شرح هذا الحديث: "إلصقوا بأولياء الله، الوليّ من وادَّ الله وءامن به واتقاه، فلا تحادّوا من وادّ الله. الله ينتقم لأوليائه ممن يؤذيهم، عليكم بمحبتهم والتقرب إليهم تحصل لكم البركة".
كرامة الشيخ أحمد الهادي
من كتب الله له أن يرى النبي يراه وهو في قبره مهما بعدت المسافة، في الحبشة كان شيخ اسمه أحمد الهادي، كان فانيًا في حب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يضرب بالطبل عند المديح، حمل معه الطبل وجاء مع رُفقة له ونزلوا إلى جُدة فصار الطبل ينضرب من غير أن يضربه أحد، ثم لَما نزل إلى المدينة انفتح له الباب فدخل فرأى النبي صلى الله عليه وسلم وقبَّل يده في اليقظة، رفقاؤه رأوا ذلك، لكن الذين معه ما تيسر لهم الدخول، ثم خرج فقال: "أنا لا أفارق المدينة، أنتم وشأنكم". وكان في أشد أوقات الحر يطلع إلى السطح فلا تؤثر فيه الشمس، ظل في المدينة إلى أن توفاه الله هناك.