عُلم مما تقدم أنه لا يجوز الذكر بلفظ "ءاه" ولا بنحوه فمن أراد أن يذكر الله تعالى فليذكره بما هو ثابت في القرءان الكريم والسنة النبوية الشريفة قال الله تعالى: ﴿ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يُلحدون في أسمائه﴾ ]سورة الأعراف/180]. قال الإمام أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه: "لا يجوز تسمية الله إلا بما ورد في الكتاب والسنة الصحيحة" اهـ، وقال أبو بكر الباقلاني تلميذ الأشعري: "ما أطلق الله على نفسه أطلقناه عليه وما لا فلا" اهـ.
قال الحافظ أحمد الغماري في المداوي ما نصه (1): "بعض الشاذلية بمصر يستدلون بهذا الحديث على الذكر الذي يذكرون به ويسمونه اسم الصدر وهو ءاه ءاه والحديث كما ترى، وقد كان شيخنا أبو ثابت محمد بخيت المطيعي المصري رحمه الله سُئل عن الذكر بهذا الاسم فشرع في الجواب بإبطاله وإبطال كون ءاه اسمًا من أسماء الله تعالى إلا أنه توقف في الجواب ولم يمضه لتوقفه في الحديث وعدم اهتدائه للجواب عنه لظنه أنه ثابت فاتفق أني زرته يومًا مع حفيد الشيخ الفاسي المكي وأصحابه هم الذين يذكرون بذلك الاسم فلما استقر بنا المجلس وعرّفتُ الشيخ أن الذي معي هو حفيد الشيخ الفاسي فقال له: هل لا زلتم تذكرون باسم ءاه؟ فقال له: نعم، فشرع ـ يعني الشيخ المطيعي ـ يتكلم عليه وذكر أنه سئل عنه وأنه أجاب بالإبطال إلا أنه توقف في الحديث وذكر عن الحفني كلامًا نسيته الآن فبادرته وقلت له: إن الحديث غير صحيح، فلما سمع مني هذا طار فرحًا وفـُرِجَ عنه همٌ كبير من جهة الحديث وطلب مني أن أكتب له بيان ضعفه ليعتمد عليه في الجواب، فلما خرجنا من عنده طلب مني حفيد الفاسي ألا أذكر له ذلك لئلا يتجيش بفتواه أعداؤهم عليهم، فتشاغلت عنه مدة لا لكلام الفاسي فكتب إليّ كتابًا مع قيّم خزانته يستحثني فيه على الجواب عن الحديث وأرسل معه نسخة من حاشيته على شرح الإسنوي على منهاج
البيضاوي فكتبت له بيان وضعه وعدم صحته (2) ودفعته للقيّم وقلت له: إذا تم تأليف الشيخ في الجواب عن المسئلة فليتحفنا منه بنسخة، فلما مضت على ذلك نحو خمسة عشر يومًا لم يُرِعْنا إلا خبر وفاته وذلك في منتصف شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وألف"" اهـ.
وقد أفتى شيخ الأزهر الشيخ سليم البشري المالكي فتوتين بتحريم الذكر بهذا اللفظ (3) وبلفظ "أح أح" وكذا بلفظ "لا إله إلا الله" بمد هاء كلمة إله، أو بلفظ من يشبع همزة إله مع مدها فيتولد عنها ياء، أو بلفظ إثبات ومد همزة لفظ الجلالة فتصير كالاستفهام، حتى إنه أفتى بتحريم حضور مجالسهم ويجب تغيير ذلك باليد لمن قدر فإن لم يقدر باليد فباللسان فإن لم يقدر فبالقلب فقال في الأولى: "لا يكون الذكر إلا كما ورد في القرءان المجيد والسنة المطهرة ولا فرق بين الشريعة والحقيقة لأن الحقيقة ما جاءت إلا من الشرع، وأما "ءاه" فلم تثبت من طريق صحيح أنه اسم من أسمائه
تعالى، ولم تضِق أسماء الله عن الذكر بها حتى يذكر بغيرها"، وجاء في الثانية:
"وكل هذا مخالف لما نطق به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتارة يزعمون أنهم انجذبوا فيأكلون بعض حروف هذه الكلمة ويحرفونها، وربما لم تسمع
إلا أصواتـًا ساذجة أو شيئـًا يشبه نهيق الحمار أو هدير الطائر، ويرحم الله الأخضري حيث قال في منظومته فيهم:
ويَنبَحون النبـحَ كالكلابِ = طريقـُهم ليست على الصوابِ
ولـيس فيهم مِن فتـًى مُطيعِ = فـلـعـنـةُ اللـه على الجميـعِ
نعم المأخوذ عن حسه الغائب عن نفسه كل ما جرى على لسانه لا لوم عليه إنما كلامنا في الذين يتعمدون ذلك وهم باختيارهم ولم يخرجوا عن حد التكليف فهؤلاء يخشى عليهم من تقطيع أسماء الله وتحريف أذكاره إنهم يذكرونه وهي تلعنهم على حد ما ورد: "رب قارئ للقرءان والقرءانُ يلعنه" اهـ.
وللشيخ محمد أبي الفضل شيخ الأزهر فتوتان بالتحريم الأولى موجزة أجاب بها سؤالا رُفع إليه إذ كان شيخ علماء الإسكندرية والأخرى مسهبة أجاب بها سؤالا رُفع إليه وهو شيخ الأزهر (4(.
وللشيخ مصطفى بن حسن العسيلي العدوي رسالة طبعت قديمًا متضمنة للإجابة عن أسئلة رفعت إليه بشأن مد هاء "إله" من كلمة التوحيد والذكر بلفظ "ءاه" قرر فيها منع الأمرين بأدلة واضحة وقد جاء فيها ما نصه (5): "وأما قول المحرف المعاند إنه موجود في كتب الشاذلية ما يدل على جواز الذكر بلفظ "ءاه" إلخ فالعجب ثم العجب من قوم يزعمون أنهم يذكرون ربهم ويعظمونه ويرضون بأفعاله ويأتون بلفظ "ءاه" وهو موضوع للتشكي أو التوجع" اهـ واستدل على هذا بكلام ابن الأثير في النهاية وبكلمة المصباح والمختار والقاموس ثم قال: "فقد أجمع اللغويون وشارحو الحديث على أن لفظ "ءاه" موضوع للتشكي أو التوجع فكيف يليق بقوم يزعمون أنهم يعبدون ربهم ويتقربون إليه بأسمائه أن يذكروه بكلمة الشكاية أو التوجع ويستدلون على ذلك بأشياء هي أوهى من بيت العنكبوت وما نقل أن أحدًا من السلف الصالح ذكر ربه بذلك قط" انتهى كلامه.
وقد أسلفنا أن الشيخ ظافرًا المدني شيخ شيوخ شاذلية عصره ابن الأستاذ الشيخ محمد ظافر المدني نص على عدم اسمية "ءاه" وحرمة الذكر به في رسالته المسماة: "الرسالة الظافرية في ءاداب الطريقة الشاذلية" وهي عظيمة الفائدة ومن جملة ما جاء فيها (6): "وشروط الذكر عند من يلقنه معلومة وأوقاته معينة مرسومة ولكن لا يُلتفت لما عليه بعض زوايا الشاذلية من التحريف في "لا إله إلا الله" بمد هاء إله، ولا إلى الذكر بـ "هيْ" أو "ءاه" حيث لم يكن لذلك سند صحيح يعتمد عليه سوى أنه كان من بين رجال الطريق أشياخ مغاربة يغلب في لغتهم مد بعض الحروف المقصورة فكان يجري على ألسنتهم قهرًا لا قصدًا مد هاء إله من "لا إله إلا الله" فتبعهم في ذلك من تلقى عنهم، كما أن أصل الذكر بآه على اختلاف كيفية النطق به أنه كان مما يجري على ألسنة بعض الخواص أرباب الأحوال نحو ثلاث مرات في ءاخر نهضة من طبقة الذكر بالله الأخيرة ثم يجلس عقب ذلك فكان بعض المريدين يتبعهم في ذلك على سبيل التبرك ولكن أنكره كثير من العلماء المعول عليهم في الأحكام الشرعية المنتسبين لطريقتنا الشاذلية قائلين إنه لا يجوز اتباع أرباب الأحوال في حال كما لا يجوز قصر لام "الله" بحال في أي طبقة من طبقات الذكر مهما أسرع به الذاكر، هذا هو طريق السادة الشاذلية الصحيح الذي تلقيناه عن والدنا شيخ مشايخ الطريق كما تلقاه هو كذلك وعليه العمل الآن في جميع الزوايا التابعة لنا في البلاد العثمانية والعربية وفي صحراء سيوه ومطروح متفقين جميعًا على عدم مد هاء إله في "لا إله إلا الله"، وعلى أن اسم الصدر هو لفظ الله بدون قصر ولا حذف شيء منه لا لفظُ هيْ ولا لفظ ءاه" اهـ.
وقد قرظ الرسالة المذكورة كثير من العلماء على اختلاف مذاهبهم ومن تلك التقاريظ: عبد الله دراز المالكي وكيل معهد علماء الإسكندرية، ومحمد تاج الدين الحنفي، وعبد الهادي الضرغامي المالكي، ومصطفى صفوت المالكي، وأمين سرور الشافعي المدرسين بمشيخة الإسكندرية، وإسماعيل حسين أمين الشاذلي، وعلي الشايب وكلاهما من مشايخ الأزهر، وإبراهيم السيد من مشايخ الجامع الأحمدي.
أيضًا فقد ورد سؤال على الشيخ عطية صقر الأزهري سنة 1997ر ونصه: "ما حكم ذكر بعض أرباب الطرق الصوفية بلفظ "ءاه"؟ فأجاب: "... فإن لفظ "ءاه" لم يثبت بسند صحيح أنه من أسمائه تعالى" ثم قال: "وما يروى من أن النبي صلى الله عليه وسلم زار مريضًا كان يئن وأن أصحابه عليه الصلاة والسلام نهوه عن الأنين وأنه قال لهم: "دعوه يئن فإنه يذكر اسمًا من أسمائه تعالى" لم يرد في حديث صحيح ولا حسن كما قرره الثقات، وما قيل في بعض الحواشي من أن لفظ "ءاه" الاسم الأعظم لا سند له.
وقد أفتى شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمد أبو الفضل الجيزاوي في هذه المسئلة فقال ما نصه: إن هذا اللفظ المسئول عنه "أه" بفتح الهمزة وسكون الهاء ليس من الكلمات العربية في شيء بل هو لفظ مهمل لا معنى له مطلقـًا، وإن كان بالمد فهو إنما يدل في اللغة العربية على التوجع وليس من أسماء الذوات فضلاً عن أن يكون من أسماء الله الحسنى التي أُمِرنا أن ندعوه بها" إلى أن قال: "ولا يجوز لنا التعبد بشيء لم يرد الشرع بجواز التعبد به. وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" (7) اهـ.
كذلك جاء في مجلة الإسلام (8) الصادرة في القاهرة سنة 1937ر أنه منذ نحو ثلاثين سنة ظهر ببلدة (مطوبس) من بَحري مديرية الغربية قوم يذكرون بمد هاء إله وبتكرير لفظ أه بفتح الهمزة غير ممدودة وسكون الهاء فأنكر عليهم الكثير من أهل العلم وغيرهم وناقشهم الشيخ علي حسن السيسي رحمه الله من فضلاء علماء الأزهر حتى أفحمهم لكنهم لم يرجعوا فرفع سؤالاً إلى علماء المعهد الدسوقي فأفتوا بأن ما ذكر حرام بالإجماع فلم يكترثوا فأنهى سؤالا إلى العلامة الشيخ بخيت رجاء أن يرتفع بفتواه النزاع لشهرته بالجلالة علمًا وعملاً ومحبة الصوفية فأفتى كذلك بالتحريم فلم يبالوا، وما زال النزاع بينهم وبين الغيورين على الدين والطريق من العلماء وغيرهم يشتد والفتاوى تستصدر من جهابذة العلماء فيرجع للحق من شاء الله ويصر على الباطل من أصدأ مرءاة بصيرته التعصب للموروث حتى إذا تفاقم الخلاف اتفق الفريقان على استصدار فتوى من الأستاذ الأكبر الشيخ البشري الذي كان إذ ذاك شيخًا للأزهر ورضوا به حكمًا تحسم فتواه النزاع فجاءت الفتوى بالتحريم أيضًا فنقض أولئك عهدهم وأصروا على صنيعهم، وقد ذكرنا نص هذه الفتوى والسؤال الذي هي (9) جواب له سابقًا، وللعلامة المذكور فتوى أخرى ربما نذكرها بعد.
وقد أسلفنا أن الشيخ بخيتـًا رحمه الله جرى بينه وبين الأستاذ الشيخ محمود حجازي أحد مشايخ الشاذلية مكاتبة بهذا الصدد انتهت بإقناع المذكور.
وهذه جملة من فتاوى علماء الأزهر وغيرهم في تحريم الذكر بهذا اللفظ ولم يبق للمتشبثين به بعد ذلك إلا العناد.
أقول: الحكم الشرعي في سب الله تعالى تكفير فاعله (10) وهذا اللفظ إذا أطلق على الله بحسب اللغة هو شتم لله لأنه وصف الله بالشكاية والتوجع والتحزن وهذه صفات مستحيلة على الله تعالى ومن أطلقها على الله وهو يفهم هذا المعنى كفر، وأما من يظن أنه إذا أُطلق على الله له معنى ءاخر فلا
يكفر ويبقى الإثم والمعصية لأنه سمّى الله بما لم يرد، وأما من يقصد به ترويح النفس ولا يقصد به إطلاقه على الله ولا يعتبره ذكرًا لله فلا بأس بذلك فكأنه يقول أتوجع من حالي، ولكنه تضييع للوقت.
والحمد لله أولاً وءاخرًا وصلى الله على نبيه المصطفى وعلى ءاله وأصحابه الطاهرين الطيبين.
---------------------------