هل تعلم؟
ما هي علامة حب الله
قالَ اللهُ تَبارَكَ وَتعالى: ﴿قُلْ إنْ كُنُتُمْ تُحبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ (سورة ءال عمران/31). علامةُ حُبِّ اللهِ تعالى هُو اتِّباعُ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَمَن اتَّبَعَ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا اتِّباعًا كامِلاً فَهُو مِن أَولِياءِ اللهِ، مِن أَحبابِ اللهِ الذينَ لا خَوفٌ عَلَيهِم ولا هُم يحزَنونَ، سَواءٌ كانوا رِجالاً أَو نِساءً. مَن كانَ فيهِ هذِهِ الصّفةُ فَهُو مِن أَهلِ الوِلايَةِ ولَيسَ هُناكَ أَمرٌ ءاخَرُ يَكونُ الإِنسانُ بِهِ وَلِيًّا إلا هذِا الطّريق وهُو اتِّباعُ الرَّسولِ اتِّباعًا كامِلاً، ويَكونُ ذَلِكَ بَأَداءِ الواجِباتِ واجتناب المحرمات.
وَمِن جُملَةِ الواجِباتِ تَعَلُّمُ عِلمِ الدّينِ الضَّرورِيِّ، مَن لم يَعرِفْ عِلمَ الدّينِ الضَّرورِيَّ لا يَكونُ وَلِيًّا، مَهما أَتعَبَ نَفسَهُ في العِبادَةِ لا يَكونُ وَلِيًّا. ثمَّ عِلمُ الدّينِ يُتَلَقَّى مِن أَهلِ المعرِفَةِ الذينَ تَعَلَّموا مِمّن قَبلَهُ حتّى يَصِلَ الاتّصالُ إِلى أَصحابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَهذا الإِمامُ الشّافِعيُّ وهَذا الإِمامُ مالِكٌ وهَذا الإِمامُ أَحمَدُ بنُ حَنبَلٍ وهَذا الإِمامُ أَبو حَنيفَةَ لَيسوا رِجالاً مُفَكِّرينَ يَكتَفونَ بِآرائِهِم بَل تَلَقّوا العِلمَ مِمَّن قَبلَهُم، وأُولَئِكَ الذينَ تَلَقّوا مِنهُم تَلَقّوا مِمَّن قَبلَهم إِلى أَن يَصِلَ الأَمرُ إِلى الصَّحابَةِ إِلى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ. مَن تَعَلَّمَ عِلمَ الدّينِ على هَذِهِ الطّريقَةِ وَلو القَدرَ الضَّرورِيَّ وَعَمِلَ بِهِ أَي أَدَّى الواجِباتِ لأَنّهُ تَعَلَّمَ ما فَرَضَ اللهُ على عِبادِهِ واجتَنَبَ ما حَرَّمَ اللهُ وأَكثَرَ مِنَ النّوافِلِ هذا يَكونُ وَليَّ اللهِ، هذا يُقال لَهُ وَلِيٌّ.
كَذَلِكَ فيمَن قَبلَ سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، أُمَّةُ موسى وأُمَّةُ عيسى وأُمَّةُ سُلَيمانَ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ كانَ فيهِم أَولِياءُ، لَيسَ الأَولياءُ مِن خُصوصِيّاتِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ. مِن أُمَّةِ عيسى وليٌّ يُقالُ لَهُ جُرَيْجٌ مِن الذينَ كانوا على شَريعَةِ المسيحِ، مِنَ الذينَ كانوا يُصَلُّونَ صَلاةَ المسيحِ عَلَيهِ السَّلامُ وَيَصومونَ صِيامَهُ على حَسَبِ تَعاليمِ المسيحِ عيسى عليه السلام. هَذا جُرَيجٌ كانَت لَهُ أُمٌّ تَأتيهِ مِن وَقتٍ إِلى وَقتٍ إِلى الصَّومَعةِ التي هُو اعتَزَلَ فِيها لِعبادَةِ اللهِ،كانَ هُو وَلِيًّا حَقِيقِيًّا اتَّبَعَ المسيحَ عيسى عَلَيهِ السَّلامُ اتِّباعًا كامِلاً، أَدّى الواجِباتِ واجتَنَبَ المحرَّماتِ بَعدَ أَن تَعَلَّمَ ما هُو الواجِبُ وما هو الحرام في شريعة عيسى عليه السلام وَتمَسَّكَ بِالنَّوافِلِ، زَادَ على الفَرائِضِ وَتَجَرَّدَ لِلعِبادَةِ. اعتَزَلَ النّاسَ خارِجَ المدينَةِ في مَكانٍ مُرتَفِعٍ حيثُ بَنى صَومَعَةً مِن طينٍ لأَنَّ هَمَّهُ الآخِرَةُ، واعتَقَدَ النّاسُ أَهلُ البَلَدِ فيهِ الصَّلاحَ وَالوِلايَةَ حتّى إِنَّ مَلِكَ تِلكَ البِلادِ صارَ يَعتَقِدُ فِيهِ ذَلِكَ. ثمَّ إِنَّ امرأَةً فاسِدَةً قالَت لِبَعضِ الفاسِدينَ الفاسِقينَ "أَنا أَفتِنُهُ"، فَذَهَبَت إِليهِ وتَعَرَّضَت لَهُ في صَومَعَتِهِ فَلَم يَلتَفِتْ إِليها وما استَطاعَتْ أَن تَفتِنَهُ. وكانَ بِالقُربِ مِن ذَلِكَ المكانِ رَجُلٌ راعٍ يَرعى، فَواقَعَها هذا الرّاعي فَحَمَلَتْ مِنهُ. ثمَّ لَما ظَهَرَ حملُها قالَت هذا مِن جُرَيجٍ، وَعِندَما تَأَكَّدَ النّاسُ أَنّها حامِلٌ بِأنْ وَضَعَتْ ذَهَبوا إِلَيهِ وَبِأَيدِيهم الفُؤوسُ لِيَهدِموا لَهُ صَومَعَتَهُ، قالوا هذا الذي كُنّا نحن نَعتَقِدُ فيهِ أَنَّهُ وَليُّ اللهِ يَفجُرُ بهذِهِ المرأةِ، فَأَخذوهُ وَوَضَعوا في عُنُقِهِ حَبْلاً وَجَرُّوه وَهَدَموا صَومَعَتَهُ بِالفؤوسِ فَقالَ لهم:"أَمهِلوني حتّى أُصلِّي رَكعَتَينِ". فَتَوضَّأَ جُرَيْجٌ وَصَلَّى رَكعَتَينِ إِذ أَنَّ أُمَّةَ عيسى كانَ لهُم وُضوءٌ وَصلاةٌ فِيها رُكوعٌ وَسُجودٌ كَما نحنُ. ثمَّ قالَ لِهذا الغُلامِ المولودِ الذي وَضَعَتْهُ هذِهِ المرأةُ البَغيُّ: "يا غُلامُ مَن أَبوكَ؟" فَأنطَقَ اللهُ الغُلامَ فَقالَ: "أَبي الرّاعي". فَلَمّا سَمِعوا هذِهِ التّبرِئَةَ انكَبّوا عَلَيهِ يُقَبِّلونَهُ ويَتَمَسَّحونَ بِهِ، وقالوا لَهُ: "نَبني لَكَ صَومَعَتَكَ مِن ذَهَبٍ"، قالَ: "لا، أَعيدوها كَما كانَت مِن طينٍ". فَجُرَيْجٌ هذا مِن أُمَّةٍ عيسى عَلَيهِ السَّلامُ وَهُو وَلِيٌّ مِن أَولِياءِ اللهِ.