هل تعلم؟
معنى قول اللهِ تَعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُم اللهُ الّذي خَلَقَ السَّمواتِ والأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ثمَّ استَوى على العَرشِ﴾
بَعضُ الجاهِلينَ بِالحقائِقِ يَظُنونَ أَنَّ قولَ اللهِ تَعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُم اللهُ الّذي خَلَقَ السَّمواتِ والأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ ثمَّ استَوى على العَرشِ﴾ يَظُنّونَ أَنَّ هذِهِ الآيةَ مَعناها أَنَّ اللهَ نَزَلَ مِنَ العَرشِ الّذي هو مُستَقَرُّهُ إِلى أَسفَلَ فَهَيّأ السَّمواتِ والأَرضَ ثمَّ صَعَدَ بَعدَ ذلِكَ، هذا جَهلٌ قَبيحٌ بِالقرآنِ، إنّما معنى الآيةِ أَنَّ اللهَ تَبارَكَ وتَعالى خَلَقَ السَّمواتِ والأَرضَ في سِتَّةِ أَيّامٍ وكانَ مُستويًا على العَرشِ أَي قاهِرًا للعَرشِ قَبلَ وُجودِ السَّمواتِ والأَرضِ، وعلى زَعمِهِم كَلِمَةُ "ثمَّ" لا تَأتي إِلاّ بَعدَ تَأَخُّرِ حُصولِ شَىءٍ عَن شَىءٍ وهذا جَهلٌ بِاللُّغةِ. "ثمَّ" تَأتي بِمَعنى الواوِ، كَلِمةُ "ثمَّ" تَأتي مُرادِفَةٌ للواوِ كَما تَأتي للدِّلالَةِ على أَنَّ ما بَعدَها وُجودُه مُتأخِّرٌ عَن وُجودِ ما قَبلَها، كَما تَأتي لهذا المعنى مَعنى التَّأخُّرِ تَأتي لمعنى الجَمعِ بَينَ شَيئَينِ بمعنى الإِخبارِ باجتِماعِ شَيئَينِ في الوُجودِ مِن غَيرِ دِلالَةٍ على تَأَخُّرِ ما بَعدَها عَن ما قَبلَها هذا أَثبَتَهُ عُلَماءُ اللُّغةِ مِنهُمُ الفَرّاءُ قالَ: "ثمَّ تَأتي بمعنى الواوِ"، ثمَّ على ذلِكَ شاهِدٌ مِنَ القُرءانِ وشاهِدٌ مِن شِعرِ العَرَبِ القُدَماءِ الفُصحاءِ الّذينَ كانوا يَتَكَلَّمونَ بِاللُّغةِ العَرَبيَّةِ عَن سَليقَةٍ وطَبيعَةٍ مِن غَيرِ أَن يَدرُسوا النَّحوَ، قالَ أَحَدُهُم:
إِنَّ مَن سادَ ثمَّ سادَ أَبوه ُ **** ثمّ قَدْ سادَ قَبلَ ذلِكَ جَدُّهُ
هَل يَصِحُّ أَن تَفَسَّرَ "ثمَّ" هُنا أَنّها تَدُلُّ على تَأَخُّرِ ما بَعدَها عَن ما قَبلَها في الوُجودِ؟ لا تَدُلُّ، كذلِكَ في هذِهِ الآيةِ ﴿ثمَّ استوى على العَرشِ﴾ لا تَدُلُّ "ثم" على أَنَّ اللهَ تَعالى خَلَقَ السَّمواتِ والأَرضَ ثمَّ بَعدَ أَن وُجِدَتِ السَّمواتُ والأَرضُ صَعَدَ إِلى العَرشِ وجَلَسَ عَلَيهِ كَما يَزعَمُ المُشَبِّهِةُ الّذينَ حُرِموا مِن فَهمِ الدَّلائِلِ العَقلِيَّةِ، العَقلُ لَهُ اعتِبارٌ في الشَّرعِ لذلِكَ أَمَرَ اللهُ بِالتَّفَكُرِ في أَكثَرَ مِن ءايةٍ. والتَّفَكُرُ هو النَّظَرُ العَقلِيُّ هؤلاءِ حُرِموا مِن ذلِكَ مِن مَعرِفَةِ الدَّلائِلِ العَقلِيَّةِ الّتي يُعرَفُ بها ما يَصِحُّ وما لا يَصِحُّ، وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.