1 - قال صباح التوحيد ومصباح التفريد الصحابي الجليل والخليفة الراشد سيدنا عليٌّ رضي الله عنه (40هجري) ما نصه1 : "كان - الله - ولا مكان، وهو الآن على ما - عليه - كان" انتهى. أي بلا مكان.
2 - وقال أيضًا2 : "إن الله تعالى خلق العرش إظهارًا لقدرته لا مكانًا لذاته" انتهى.
3 - وقال أيضًا3 : "من زعم أن إلهَنا محدود فقد جهل الخالق المعبود" انتهى. (المحدود: هو ما كان له حجم صغيرًا أو كبيرًا)
4 - وقال التابعي الجليل الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم (94هجري) ما نصه4 : "أنت الله الذي لا يَحويك مكان" انتهى.
5 - وقال أيضًا5 : "أنت الله الذي لا تُحَدُّ فتكونَ محدودًا" انتهى.
6 - وقال الإمام جعفر الصادق6 بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين رضوان الله عليهم (148هجري) ما نصه7 : "من زعم أن الله في شىء، أو من شىء، أو على شىء فقد أشرك. إذ لو كان على شىء لكان محمولا، ولو كان في شىء لكان محصورًا، ولو كان من شىء لكان محدَثًا - أي مخلوقًا -" انتهى.
7 - قال الإمام المجتهد أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه (150هجري) أحد مشاهير علماء السلف إمام المذهب الحنفي ما نصه8 : "والله تعالى يُرى في الآخرة، ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كميّة، ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة" انتهى.
8 - وقال أيضًا في كتابه الوصية9 : "ولقاء الله تعالى لأهل الجنة بلا كيف ولا تشبيه ولا جهةٍ حقٌّ" انتهى.
9 - وقال أيضًا10 : " قلتُ : أرأيتَ لو قيل أين الله تعالى؟ فقال - أي أبو حنيفة - : يقال له كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خَلْق ولا شىء، وهو خالق كل شىء" انتهى.
10 - وقال أيضًا11 : "ونقر بأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه، وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجًا لَمَا قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوقين، ولو كان محتاجًا إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا" انتهى.
وهذا رد صريح على المشبهة المجسمة أدعياء السلفية ويزعمون أن السلف لم يصرحوا بنفي الجهة عن الله تعالى. فإن أبا حنيفة رأس من رءوس السلف الذين تلقّى العلم عن التابعين، والتابعون تلقوا العلم عن الصحابة رضي الله عنهم، فاحفظ هذا أخي المسلم فإنه مهم في رد افتراءات المشبهة على علماء السلف.
ونلفت النظر إلى أن أتباع أبي حنيفة أي الذين هم على مذهبه سواء في لبنان وسوريا وتركيا وأندنوسيا والهند وغيرها من البلدان على هذا المعتقد أي ينـزهون الله تعالى عن التحيّز في جهة فوق العرش ويقولون الله موجود بلا كيف ولا جهة ولا مكان، إلا من لحق منهم بأهل التجسيم الذين غرتهم الحياة الدنيا أو فتنوا بابن تيمية رافع لواء المجسمة في القرن السابع الهجري كابن أبي العز الحنفي الذي فُتِن به أي ابن تيمية فشرح العقيدة الطحاوية على خلاف منهج أهل الحق عامة وأهل مذهبه خاصة، فقد حشا شرحه وملأه بضلالات ابن تيمية، فإنه كالظِّل له، ومما ذكره12 في هذا الشرح من عقيدة ابن تيمية أن أهل السنة على زعمه يقولون بفناء النار أي عنده وعند ابن تيمية وعند المجسمة عذاب الكفار والمشركين والوثنيين الذين حاربوا الله وأنبياءه في نار جهنم ينتهي وينقطع مكذبين قول الله تعالى: ﴿وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾(36) [سورة فاطر]. ومما ذكره13 أيضًا من عقيدة ابن تيمية قوله بأزلية نوع العالم التي أخذها ابن تيمية عن الفلاسفة أي على زعمهم أن الله لم يخلق نوع العالم إنما خلق الأفراد فقط والعياذ بالله.
وقد اتفق علماء الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها منذ زمن الصحابة إلى يومنا هذا على أن هاتين العقيدتين هما عقيدتان كفريتان لما في ذلك من تكذيب لله ورسوله، ومما علم من الدين بالضرورة أن النار باقية إلى ما لا نهاية له لأن الله شاء لها البقاء، وأن العالم كله مخلوق لله نوعه وأفراده، وهذا توارثه المسلمون خلفًا عن سلف لا يناقضه ولا يعارضه إلا من استحوذ الشيطان على قلبه وأضله الله وطمس على بصيرته.
ومن العجب مع ما في هذا الشرح لابن أبي العز الحنفي من ضلالات كثيرة أن مجسمة العصر استحسنته وصاروا ينشرون هذه العقيدة الفاسدة بين المسلمين ويتدارسونه فيما بينهم، حتى قرروا تدريس هذا الشرح في المعاهد والكليات بالرياض14 ، وادعوا15 أن هذا الشرح يمثل عقيدة السلف أحسن تمثيل.
ونقول نحن: والذي أرواحنا بيده لقد كذبوا في ادعائهم وافترائهم على السلف كما هو دأبهم، وستكتب شهادتهم ويُسألون.
وأما تكفير الإمام أبي حنيفة لمن يقول: "لا أعرف ربي في السماء أو في الأرض"، وكذا من قال: "إنه على العرش، ولا أدري العرش أفي السماء أو في الأرض" فلأن قائل هاتين العبارتين جعل الله تعالى مختصًّا بجهة وحَيِّز ومكان، وكل ما هو مختصٌّ بالجهة والحيز فإنه محتاج مُحْدَث بالضرورة. وليس مراده كما زعم المشبهة إثبات أن السماء والعرش مكان لله تعالى، بدليل كلامه السابق الصريح في نفي الجهة والمكان عن الله.
وقال الشيخ الإمام العز بن عبد السلام الشافعي في كتابه "حلّ الرموز" في بيان مراد أبي حنيفة ما نصه16 : "لأن هذا القول يُوهِم أن للحق مكانًا، ومن توهم أن للحق مكانًا فهو مشبّه" انتهى، وأيّد ملَّا عليّ القاري كلام ابن عبد السلام بقوله17 : "ولا شك أن ابن عبد السلام من أجلّ العلماء وأوثقهم، فيجب الاعتماد على نقله" انتهى.
11 - وقال الإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه إمام المذهب
الشافعي (204هجري) ما نصه18 : "إنه تعالى كان ولا مكان فخلق المكان وهو على صفة الأزلية كما كان قبل خلقه المكان لا يجوز عليه التغيير في ذاته ولا التبديل في صفاته" انتهى.
12 - وأما الإمام المجتهد الجليل أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني (241هجري) رضي الله عنه إمام المذهب الحنبلي وأحد الأئمة الأربعة، فقد ذكر الشيخ ابن حجر الهيتمي أنه كان من المنـزهين لله تعالى عن الجهة والجسمية، ثم قال ابن حجر ما نصه19 : "وما اشتهر بين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد من أنه قائل بشىء من الجهة أو نحوها فكذب وبُهتان وافتراء عليه" انتهى.
13 - وقال الصوفي الزاهد ذو النون المصري (245هجري) ما نصه20 :
"ربي تعالى فلا شىء يحيط به وهْو المحيط بنا في كل مرتصد
لا الأين والحيث والتكييف يدركه ولا يحد بمقدار ولا أمد
وكيف يدركه حد ولم تره عين وليس له في المثل من أحد
أم كيف يبلغه وهم بلا شبه وقد تعالى عن الأشباه والولد" انتهى
14 - وسُئل ذو النون عن معنى قوله تعالى:﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ (5) [سورة طه] فقال21 : أثْبَتَ ذاته ونفى مكانه، فهو موجود بذاته والأشياء موجودة بحكمة كما شاء سبحانه" انتهى.
15 - وكذا كان على هذا المعتقد الإمام شيخ المحدّثين أبو عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح (256هجري) فقد فَهِم شُرَّاح صحيحه أن البخاري كان ينـزه الله عن المكان والجهة.
قال الشيخ علي بن خلف المالكي المشهور بابن بطال أحد شرَّاح البخاري (449هجري) ما نصه22 : "غرض البخاري في هذا الباب الرد على الجهمية المجسمة في تعلقها بهذه الظواهر، وقد تقرر أن الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه، فقد كان ولا مكان، وإنما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف، ومعنى الارتفاع إليه اعتلاؤه - أي تعاليه - مع تنـزيهه عن المكان" انتهى.
وقال الشيخ ابن المُنَيِّر المالكي (695هجري) ما نصه: "جميع الأحاديث في هذه الترجمة مطابقة لها إلا حديث ابن عباس فليس فيه إلا قوله "رب العرش" ومطابقته، والله أعلم من جهة أنه نبه على بطلان قول من أثبت الجهة أخذًا من قوله ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ (3) [سورة المعارج]، ففهم أن العلو الفوقي مضاف إلى الله تعالى، فبيَّن المصنف - يعني البخاري - أن الجهة التي يصدق عليها أنها سماء والجهة التي يصدق عليها أنها عرش، كل منهما مخلوق مربوب مُحْدَث، وقد كان الله قبل ذلك وغيره، فحدثت هذه الأمكنة، وقِدَمه يحيل وصفه بالتحيز فيها" انتهى، نقله عنه الحافظ ابن حجر وأقرّه عليه23 .
16 - وقال الإمام الحافظ المجتهد أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (310هجري) ما نصه24 : "القول في الدلالة على أن الله عز وجل القديم الأول قبل كل شىء، وأنه هو المُحدِث كل شىء بقدرته تعالى ذِكره فمن الدلالة على ذلك أنه لا شىء في العالم مشاهَد إلا جسم أو قائم بجسم، وأنه لا جسم إلا مفترِق أو مجتمع، وأنه لا مفترِق منه إلا وهو موهوم فيه الائتلاف إلى غيره من أشكاله، ولا مجتمع منه إلا وهو موهوم فيه الافتراق، وأنه متى عدِمَ أحدهما عدم الآخر معه، وأنه إذا اجتمع الجزءان منه بعد الافتراق، فمعلوم أن اجتماعهما حادث فيهما بعد أن لم يكن، وأن الافتراق إذا حدث فيهما بعد الاجتماع فمعلوم أن الافتراق فيهما حادث بعد أن لم يكن. وإذا كان الأمر فيما في العالم من شىء كذلك، وكان حكم ما لم يُشاهد وما هو من جنس ما شاهدنا في معنى جسم أو قائم بجسم، وكان ما لم يخلُ من الحدث لا شك أنه محدَث بتأليف مؤلِّف له إن كان مجتمعًا، وتفريق مفرِّق له إن كان مفترِقًا؛ وكان معلومًا بذلك أن جامع ذلك إن كان مجتمعًا، ومفرّقه إن كان مفترقًا مَن لا يشبهه ومن لا يجوز عليه الاجتماع والافتراق، وهو الواحد القادر الجامع بين المختلفات الذي لا يشبهه شىء، وهو على كل شىء قدير. فبيِّنٌ بما وصفنا أن بارىء الأشياء ومحدِثها كان قبل كل شىء25 ، وأن الليل والنهار والزمان والساعات محدثات، وأن محدِثها الذي يُدبرها ويُصَرّفها قبلها26 ، إذ كان من المحال أن يكون شىء يُحدث شيئًا إلا ومحدثه قبله، وأن في قوله تعالى ذِكره: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)﴾ [سورة الغاشية] لأبلغ الحجج وأدلَّ الدلائل لمن فكر بعقل واعتبر بفهم على قِدَم بارئها، وحدوث كل ما جانسها، وأن لها خالقًا لا يشبهها" انتهى.
17 - ثم قال27 : "فتبيَّن إذًا أن القديم28 بارىء الأشياء وصانعها هو الواحد الذي كان قبل كل شىء، وهو الكائن بعد كلّ شىء، والأول قبل كل شىء، والآخر بعد كل شىء، وأنه كان ولا وقت ولا زمان ولا ليل ولا نهار، ولا ظلمة ولا نور ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا نجوم، وأن كل شىء سواه محدَث مدبَّر مصنوع، انفرد بخلق جميعه بغير شريك ولا مُعين ولا ظهير، سبحانه من قادر قاهر" انتهى.
18 - وقال أيضًا عند تفسير قول الله تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (3) [سورة الحديد] ما نصه29 : "لا شىء أقرب إلى شىء منه كما قال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ (16) [سورة ق]" انتهى.
أي أن القُرب المسافي منفيٌّ عن الله، فالذي في رأس الجبل والذي في أسفل الوادي هما بالنسبة إلى الله تعالى من حيث المسافة على حدٍّ سواء لأن الله تعالى منـزه عن القرب الحسِّي أي القرب بالمسافة، أما القرب المعنوي فلا ينفيه هذا الإمام ولا غيره من علماء المسلمين. فهذا دليل ءاخر أن السلف كانوا ينـزهون الله عن الجهة.
19 - وقال اللغوي إبراهيم بن السّري الزّجاج أحد مشاهير اللغويين (311هجري) ما نصه30 : "العلي: هو فَعِيل في معنى فاعل، فالله تعالى عالٍ على خَلْقِه وهو عليٌّ عليهم بقدرته، ولا يجب أن يُذهب بالعلو ارتفاع مكانٍ، إذ قد بيَّنَّا أن ذلك لا يجوز في صفاته تقدست، ولا يجوز أن يكون على أن يُتصور بذهن، تعالى الله عن ذلك عُلوًّا كبيرًا" انتهى.
20 - وقال أيضًا31 : "والله تعالى عالٍ على كل شىء، وليس المراد بالعلو: ارتفاع المحلِّ، لأن الله تعالى يجلُّ عن المحلِّ والمكان، وإنما العُلو علوُّ الشأن وارتفاعُ السلطان" اه.
21- وقال الإمام الحافظ الفقيه أبو جعفر أحمد بن سلامة الطحاوي الحنفي (321هجري)32 في رسالته (العقيدة الطحاوية) ما نصه: "وتعالى - أي الله - عن الحدودِ والغاياتِ والأركانِ والأعضاءِ والأدواتِ، لا تحويه الجهات السِتُّ كسائر المبتدعات" اه.
22 - وقال إمام أهل السنة أبو الحسن الأشعري (324هجري) رضي الله عنه ما نصه33 : " كان الله ولا مكان فخلق العرش والكرسي ولم يحتج إلى مكان، وهو بعد خلق المكان كما كان قبل خلقه" انتهى أي بلا مكان ومن غير احتياج إلى العرش والكرسي. نقل ذلك عنه الحافظ ابن عساكر نقلًا عن القاضي أبي المعالي الجويني.
23 - وقال أيضًا ما نصه34 : "فأما الحركة والسكون والكلام فيهما فأصلهما موجودٌ في القرءان وهما يدلان على التوحيد، وكذلك الاجتماع والافتراق، قال الله تعالى مخبرًا عن خليله إبراهيم صلواتُ الله عليه وسلامُه - ﴿فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ﴾ (76) [سورة الأنعام] - في قِصّةِ أفولِ الكوكب والشمس والقمر وتحريكها من مكان إلى مكان ما دَلَّ على أن ربَّه عز وجل لا يجوز عليه شىء من ذلك، وأن من جاز عليه الأفولُ والانتقال من مكان إلى مكان فليس بإلَه" انتهى.
24 - وقال إمام أهل السنة أبو منصور الماتُريدي (333هجري) رضي الله عنه ما نصه35 : "إن الله سبحانه كان ولا مكان، وجائز ارتفاع الأمكنة وبقاؤه على ما كان، فهو على ما كان، وكان على ما عليه الآن، جلَّ عن التغيّر والزوال والاستحالة" انتهى. يعني بالاستحالة التحوّل والتطور والتغير من حال إلى حال وهذا منفيٌّ عن الله ومستحيل عليه سبحانه وتعالى.
والإمام محمد بن محمد الشهير بأبي منصور الماتريدي إمام جليلٌ من أئمة السلف الصالح مناضل عن الدين موضح لعقيدة أهل السنة التي كان عليها الصحابة ومن تبعهم
بإيراد أدلة نقلية من القرءان والحديث وأدلة عقلية مع ردّ شبه المعتزلة وذوي البدع في مناظراتهم وخصَمهم في محاوراتهم حتى أسكتهم، ومجاهدٌ في نصرة السنة وإحياء الشريعة حتى لقب بإمام أهل السنة.
25 - قال في كتابه "التوحيد" في إثبات رؤية المؤمنين لله في الآخرة ما نصه36 : "فإن قيل: كيف يُرى؟ قيل: بلا كيف، إذ الكيفية تكون لذي صورة، بل يُرى بلا وصف قيامٍ وقعودٍ واتكاءٍ وتعلق، واتصال وانفصال، ومقابلة ومدابرة، وقصير وطويل، ونور وظلمة، وساكن ومتحرك، ومماس ومباين، وخارج وداخل، ولا معنى يأخذه الوهم أو يقدره العقل لتعاليه عن ذلك" انتهى.
فالماتريدي يصرح بنفي الجهة عن الله تعالى، وهذا فيه رد أيضًا على المجسمة والمشبهة الذين يزعمون أن السلف يقولون بإثبات الجهة، فتمسك بما قاله الماتريدي تكن على هدى.
26 - وقال أيضًا37 : "وأما رفع الأيدي إلى السماء فعلى العبادة، ولله أن يتعبَّد عبادَهُ بما شاء، ويوجههم إلى حيث شاء، وإن ظَنّ من يَظنّ أنّ رَفْع الأبصار إلى السماء لأن الله من ذلك الوجه إنما هو كظن من يزعم أنه إلى جهة أسفل الأرض بما يضع عليها وجهه متوجهًا في الصلاة ونحوها، وكظن من يزعم أنه في شرق الأرض وغربها بما يتوجه إلى ذلك في الصلاة، أو نحو مكة لخروجه إلى الحج، جلّ الله عن ذلك". انتهى باختصار.
27 - وقال الحافظ محمد بن حبان (354هجري) صاحب الصحيح المشهور بصحيح ابن حبان ما نصه38 : "الحمد لله الذي ليس له حد محدود فيحتوى، ولا له أجل معدود فيفنى، ولا يحيط به جوامع المكان، ولا يشتمل عليه تواتر الزمان" انتهى.
28 - وقال أيضًا ما نصه39 : "كان - الله - ولا زمان ولا مكان" انتهى.
29 - وقال أيضًا40 : "كذلك ينـزل - يعني الله - بلا ءالة ولا تحرك ولا انتقال من مكان إلى مكان" انتهى.
30 - وقال الصوفي أبو عثمان المغربي سعيد بن سلام (373هجري) فيما نقله عنه أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري (469هجري) ونصه41 : "سمعت الإمام أبا بكر محمد بن الحسن بن فورك رحمه الله تعالى يقول: سمعتُ محمد بن المحبوب خادم أبي عثمان المغربي يقول: قال لي أبو عثمان المغربي يومًا: يا محمد، لو قال لك أحدٌ: أين معبودك أيش تقول؟ قال: قلتُ أقول حيث لم يزل، قال: فإن قال أين كان في الأزل، أيش تقول؟ قال: قلت أقول حيث هو الآن، يعني أنه كما كان ولا مكان فهو الآن كما كان، قال: فارتضى مني ذلك ونزع قميصه وأعطانيه" انتهى.
وهو الصوفي الزاهد الشيخ سعيد بن سلام أبو عثمان المغربي، قال عنه الحافظ الخطيب البغدادي42 : "ورد بغداد وأقام بها مدة ثم خرج منها إلى نيسابور فسكنها، وكان من كبار المشايخ له أحوال مأثورة وكرامات مذكورة" انتهى.
31 - قال أبو القاسم القشيري ما نصه43 : "سمعت الإمام أبا بكر بن فورك رحمه الله تعالى يقول سمعت أبا عثمان المغربي يقول: كنت أعتقد شيئًا من حديث الجهة فلما قدمت بغداد زال ذلك عن قلبي، فكتبت إلى أصحابنا بمكة إني أسلمت الآن إسلامًا جديدًا" انتهى.
32 - وقال الشيخ أبو بكر محمد بن إسحَق الكلاباذي الحنفي (380هجري) في بيان عقيدة الصوفية ما نصه44 : "اجتمعت الصوفية على أن الله لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان" انتهى.
33 - وقال الشيخ أبو سليمان حمد بن محمد الخطابي (388هجري) صاحب "معالم السنن" ما نصه45 : "وليس معنى قول المسلمين إن الله على العرش هو أنه تعالى مماس له أو متمكِّن فيه أو متحيّز في جهة من جهاته، لكنه بائن من جميع خلقه، وإنما هو خبر جاء به التوقيف فقلنا به ونفينا عنه التكييف إذ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ (11)" انتهى.
34 - وقال الشيخ أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي الشافعي (403هجري) ما نصه46 : "وأما البراءة من التشبيه بإثبات أنه - تعالى - ليس بجوهر ولا عرض، فلأن قومًا زاغوا عن الحق فوصفوا البارىء جل ثناؤه ببعض صفات المحدثين، فمنهم من قال: إنه جوهر، ومنهم من قال: إنه جسم، ومنهم من أجاز أن يكون على العرش كما يكون الملك على سريره، وكان ذلك في وجوب اسم الكفر لقائله كالتعطيل والتشريك.
فإذا أثبت المثبت أنه ليس كمثله شىء، وجماع ذلك أنه ليس بجوهر ولا عرض فقد انتفى التشبيه، لأنه لو كان جوهرًا أو عرضًا لجاز عليه ما يجوز على سائر الجواهر والأعراض، ولأنه إذا لم يكن جوهرًا ولا عرضًا لم يجز عليه ما يجوز على الجواهر من حيث إنها جواهر كالتألف والتجسم وشغل الأمكنة والحركة والسكون، ولا ما يجوز على الأعراض من حيث إنها أعراض كالحدوث وعدم البقاء" انتهى.
35 - وقال القاضي أبو بكر محمد الباقلاني المالكي الأشعري (403هجري) ما نصه47 : "ولا نقول إن العرش له - أي لله - قرار ولا مكان، لأن الله تعالى كان ولا مكان، فلما خلق المكان لم يتغيّر عما كان" انتهى.
36 - وقال أيضًا ما نصه48 : "ويجب أن يعلم أن كل ما يدل على الحدوث أو على سمة النقص فالرب تعالى يتقدس عنه، فمن ذلك: أنه تعالى متقدس عن الاختصاص بالجهات، والاتصاف بصفات المحدثات، وكذلك لا يوصف بالتحول والانتقال، ولا القيام ولا القعود، لقوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء ٌ(11)﴾ [سورة الشورى]، وقوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾ [سورة الإخلاص] ولأن هذه الصفات تدل على الحدوث، والله تعالى يتقدس عن ذلك" انتهى.
37 - وقال الحافظ المؤرخ ابن عساكر49 نقلًا عن أبي عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني: "وكان أبو الحسن التميمي الحنبلي يقول لأصحابه: تمسكوا بهذا الرجل - أي بالباقلاني - فليس للسنة عنه غنى أبدًا. قال: وسمعت الشيخ أبا الفضل التميمي الحنبلي رحمه الله وهو عبد الواحد بن أبي الحسن بن عبد العزيز بن الحارث يقول: اجتمع رأسي ورأس القاضي أبي بكر محمد بن الطيب - يعني الباقلاني - على مخدة واحدة سبع سنين. قال الشيخ أبو عبد الله: وحضر الشيخ أبو الفضل التميمي يوم وفاته العزاء حافيًا مع إخوته وأصحابه وأمر أن ينادى بين يدي جنازته: "هذا ناصر السنة والدين، هذا إمام المسلمين، هذا الذي كان يذب عن الشريعة ألسنة المخالفين، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة ردًّا على الملحدين"، وقعد للعزاء مع أصحابه ثلاثة أيام فلم يبرح، وكان يزور تربته كل يوم جمعة في الدار" انتهى.
38 - وذكر الشيخ أبو الطيب سهل بن محمد الشافعي مفتي نيسابور (404هجري) ما نقله عنه الحافظ البيهقي: "سمعتُ الشيخ أبا الطيب الصُّعلُوكي يقول: "تُضامّون" بضم أوله وتشديد الميم يريد لا تجتمعون لرؤيته - تعالى - في جهة ولا ينضم بعضكم إلى بعض فإنه لا يُرى في جهة" انتهى، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح50 .
39 - وقال أبو بكر محمد بن الحسن المعروف بابن فورك الأشعري (406هجري) ما نصه51 : "لا يجوز على الله تعالى الحلول في الأماكن لاستحالة كونه محدودًا ومتناهيًا وذلك لاستحالة كونه مُحْدَثا" انتهى.
40 - وقال أيضًا ما نصه52 : "واعلم أنّا إذا قلنا إن الله عزّ وجل فوق ما خلق لم يُرْجَع به إلى فوقية المكان والارتفاع على الأمكنة بالمسافة والإشراف عليها بالمماسة لشىءٍ منها" انتهى.
41 - وقال الأديب النحوي أبو علي المَرْزُوقي (421هجري) ما نصه53 : "الله تعالى لا تحويه الأماكن ولا تحيط به الأقطار والجوانب" انتهى.
42 - وقال الشيخ الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي الإسفراييني (429هجري) ما نصه54 : "وأجمعوا - أي أهل السنة - على أنه - أي الله - لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان" انتهى.
43 - وقال أيضًا ما نصه55 : "لو كان الإلَه مقدَّرًا بحدّ ونهاية لم يخل من أن يكون مقداره مثل أقل المقادير فيكون كالجزء الذي لا يتجزأ، أو يختص ببعض المقادير فيتعارض فيه المقادير فلا يكون بعضها أولى من بعض إلا بمخصص خصه ببعضها، وإذا بطل هذان الوجهان صح أنه بلا حد ولا نهاية" انتهى.
44 - وقال الشيخ علي بن خلف المشهور بابن بطال المالكي (449هجري) أحد شُرّاح صحيح البخاري ما نصه56 : "غرض البخاري في هذا الباب الرد على الجهمية المجسمة في تعلقها بهذه الظواهر، وقد تقرر أن الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه، فقد كان ولا مكان، وإنما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف، ومعنى الارتفاع إليه اعتلاؤه - أي تعاليه - مع تنـزيهه عن المكان" انتهى.
45 - وقال أيضًا ما نصه: "لا تعلق للمجسمة في إثبات المكان، لما ثبت من استحالة أن يكون سبحانه جسمًا أو حالا في مكان" انتهى. وقد نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني مقرًّا وموافقًا له57 ، مما يدل على أن هذه هي عقيدة أهل الحديث أيضًا.
46 - وقال أبو محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم الأندلسي (456هجري) - وهو منتَقَد من العلماء على بعض مقالاته التي انفرد بها - ما نصه58 : "وأنه تعالى لا في مكان ولا في زمان، بل هو تعالى خالق الأزمنة والأمكنة، قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا(2)﴾ [سورة الفرقان]، وقال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا(59)﴾ [سورة الفرقان] والزمان والمكان هما مخلوقان، قد كان تعالى دونهما، والمكان إنما هو للأجسام" اه.
47 - وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي الشافعي (458هجري) ما نصه59 : "والذي روي في ءاخر هذا الحديث60 إشارة إلى نفي المكان عن الله تعالى، وأن العبد أينما كان فهو في القرب والبعد من الله تعالى سواء، وأنه الظاهر فيصح إدراكه بالأدلة، الباطن فلا يصح إدراكه بالكون في مكان. واستدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت الظاهر فليس فوقك شىء، وأنت الباطن فليس دونك شىء"، وإذا لم يكن فوقه شىء ولا دونه شىء لم يكن في مكان" انتهى.
48 - وقال أيضًا ما نصه61 : "أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزني يقول: حديث النـزول قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه صحيحة وورد في التنـزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)﴾ [سورة الفجر] والنـزول والمجيء صفتان منفيتان عن الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال، بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه، جل الله تعالى عما تقول المعطلة لصفاته والمشبهة بها علوًّا كبيرًا. قلت: وكان أبو سليمان الخطابي رحمه الله يقول: إنما ينكر هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور في ذلك بما يشاهده من النـزول الذي هو تدلَّ من أعلى إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت وهذه صفة الأجسام والأشباح، فأما نزول من لا تستولي عليه صفات الأجسام فإن هذه المعاني غير متوهمة فيه وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كميّة سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير" انتهى.
49 - وقال أيضًا ما نصه62 : "قال أبو سليمان الخطابي: وليس معنى قول المسلمين: إن الله استوى على العرش هو أنه مماس له أو متمكِّن فيه أو متحيّز في جهة من جهاته، لكنه بائن63 من جميع خلقه، وإنما هو خبر جاء به التوقيف فقلنا به ونفينا عنه التكييف، إذ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)﴾" انتهى.
50 - وقال أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري (465هجري) في رسالته المشهورة ب- "الرسالة القشيرية" عند ذكر عقيدة الصوفية ما نصه64 : "وهذه فصول تشتمل على بيان عقائدهم في مسائل التوحيد ذكرناها على وجه الترتيب. قال شيوخ هذه الطريقة على ما يدل عليه متفرقات كلامهم ومجموعاتها ومصنفاتهم في التوحيد: إن الحق سبحانه وتعالى موجود قديم لا يشبهه شىء من المخلوقات، ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، ولا صفاته أعراض، ولا يتصور في الأوهام، ولا يتقدر في العقول، ولا له جهة ولا مكان، ولا يجري عليه وقت وزمان" انتهى باختصار.
51 - وقال الفقيه المتكلم أبو المظفر الإسفراييني الأشعري (471هجري) ما نصه65 : "الباب الخامس عشر في بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة: وأن تعلم أن كل ما دل على حدوث شىء من الحد، والنهاية، والمكان، والجهة، والسكون، والحركة، فهو مستحيل عليه سبحانه وتعالى، لأن ما لا يكون محدَثًا لا يجوز عليه ما هو دليل على الحدوث" اهـ.
52 - وقال الفقيه الإمام الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي الأشعري (476هجري) في عقيدته ما نصه66 : "وإن استواءه ليس باستقرار ولا ملاصقة لأن الاستقرار والملاصقة صفة الأجسام المخلوقة، والرب عز وجل قديم أزلي، فدل على أنه كان ولا مكان ثم خلق المكان وهو على ما عليه كان" انتهى.
53 - وقال إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني الأشعري (478هجري) ما نصه67 : "البارىء سبحانه وتعالى قائم بنفسه68 ، متعال عن الافتقار إلى محل يحله أو مكان يُقله" انتهى.
54 - وقال أيضًا ما نصه69 : "مذهب أهل الحق قاطبة أن الله سبحانه وتعالى يتعالى عن التحيّز والتخصص بالجهات" انتهى.
55 - وقال أيضًا ما نصه70 : "واعلموا أن مذهب أهل الحق: أن الرب سبحانه وتعالى يتقدس عن شغل حيز، ويتنـزه عن الاختصاص بجهة.
وذهبت المشبهة إلى أنه مختص بجهة فوق، ثم افترقت ءاراؤهم بعد الاتفاق منهم على إثبات الجهة، فصار غلاة المشبهة إلى أن الرب تعالى مماس للصفحة العليا من العرش وهو مماسّه، وجوزوا عليه التحول والانتقال وتبدل الجهات والحركات والسكنات، وقد حكينا جُملًا من فضائح مذهبهم فيما تقدم" انتهى.
56 - وقال الفقيه المتكلم أبو سعيد المتولي الشافعي الأشعري (478هجري) أحد أصحاب الوجوه في المذهب الشافعي ما نصه71 : "ثبت بالدليل أنه لا يجوز أن يوصف ذاته - تعالى - بالحوادث، ولأن الجوهر متحيز، والحق تعالى لا يجوز أن يكون متحيزًا" انتهى.
57 - وقال أيضًا ما نصه72 : "والغرض من هذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافًا للكرامية والحشوية الذين قالوا: إن لله جهة فوق" انتهى.
58 - وقال اللغويُّ أبو القاسم الحسين بن محمد المشهور بالراغب الأصفهاني (502هجري) ما نصه73 : "وقربُ الله تعالى من العبد هو بالإفضال عليه والفيض لا بالمكان" انتهى.
59 - وقال الشيخ أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الشافعي الأشعري (505هجري) ما نصه74 : "تعالى - أي الله - عن أن يحويه مكان، كما تقدس عن أن يحده زمان، بل كان قبل أن خلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان" انتهى.
60 - وقال أيضًا في كتابه "إحياء علوم الدين" ما نصه75 : "الأصل السابع: العلم بأنّ الله تعالى منـزه الذات عن الاختصاص بالجهات، فإن الجهة إما فوق وإما أسفل وإما يمين وإما شمال أو قدّام أو خلف، وهذه الجهات هو الذي خلقها وأحدثها بواسطة خَلْق الإنسان إذ خَلَق له طرفين أحدهما يعتمد على الأرض ويسمى رِجْلًا، والآخر يقابله ويسمى رأسًا، فحدث اسم الفوق لما يَلي جهة الرأس واسم السُّفل لما يَلي جهة الرِّجْل، حتى إنّ النملة التي تدب منكسة تحت السقف تنقلب جهة الفوق في حقها تحتًا وإن كان في حقنا فوقًا. وخلَق للإنسان اليدين وإحداهما أقوى من الأخرى في الغالب، فحدث اسم اليمين للأقوى واسم الشمال لما يقابله وتسمى الجهة التي تلي اليمين يمينًا والأخرى شمالا، وخلَق له جانبين يبصر من أحدهما ويتحرّك إليه فحدث اسم القدّام للجهة التي يتقدم إليها بالحركة واسم الخلف لما يقابلها، فالجهات حادثة بحدوث الإنسان" ثم قال: "فكيف كان في الأزل مختصًّا بجهة والجهة حادثة؟ أو كيف صار مختصًّا بجهة بعد أن لم يكن له؟ أبأن خلَق العالم فوقه، ويتعالى عن أن يكون له فوق إذ تعالى أن يكون له رأس، والفوق عبارة عما يكون جهة الرأس، أو خَلَق العالم تحته، فتعالى عن أن يكون له تحت إذ تعالى عن أن يكون له رِجْل والتحت عبارة عما يلي جهة الرِّجْل؛ وكل ذلك مما يستحيل في العقل ولأن المعقول من كونه مختصًّا بجهة أنه مختص بحيز اختصاص الجواهر أو مختص بالجواهر اختصاص العَرَض، وقد ظهر استحالة كونه جوهرًا أو عَرَضًا فاستحال كونه مختصًّا بالجهة؛ وإن أريد بالجهة غير هذين المعنيين كان غلطًا في الاسم مع المساعدة على المعنى ولأنه لو كان فوق العالم لكان محاذيًا له، وكل محاذ لجسم فإما أن يكون مثله أو أصغر منه أو أكبر وكل ذلك تقدير محوج بالضرورة إلى مقدّرٍ ويتعالى عنه الخالق الواحد المدبِّر، فأما رفع الأيدي عند السؤال إلى جهة السماء فهو لأنها قبلة الدعاء، وفيه أيضًا إشارة إلى ما هو وصف للمدعوّ من الجلال والكبرياء تنبيهًا بقصد جهة العلو على صفة المجد والعلاء، فإنه تعالى فوق كل موجود بالقهر والاستيلاء" انتهى.
61 - وقال لسان المتكلمين الشيخ أبو المعين ميمون بن محمد النسفي (508هجري) ما نصه76 : "القول بالمكان - أي في حق الله - منافيًا للتوحيد" انتهى.
62 - وقال أيضًا77 : "إنا ثبّتنا بالآية المحكمة التي لا تحتمل التأويل، وبالدلائل العقلية التي لا احتمال فيها أنّ تمكّنه - سبحانه - في مكان مخصوص أو الأمكنة كلها محال" اهـ.
63 - وقال الإمام أبو القاسم سليمان (سلمان) بن ناصر الأنصاري النيسابوري (512هجري) شارح كتاب "الإرشاد" لإمام الحرمين بعد كلام في الاستدلال على نفي التحيّز في الجهة عن الله تعالى ما نصه78 : "ثم نقول سبيل التوصل إلى درك المعلومات الأدلة دون الأوهام، ورُب أمر يتوصل العقل إلى ثبوته مع تقاعد الوهم عنه، وكيف يدرك العقل موجودًا يحاذي العرش مع استحالة أن يكون مِثْل العرش في القدر أو دونه أو أكبر منه، وهذا حكم كل مختص بجهة" انتهى.
64 - وقال أبو الوفاء علي بن عقيل البغدادي شيخ الحنابلة في زمانه (513هجري) ما نصه79 : "تعالى الله أن يكون له صفة تشغل الأمكنة، هذا عين التجسيم، وليس الحق بذي أجزاء وأبعاض يعالج بها" انتهى.
65 - وقال الشيخ أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم المعروف بابن القشيري (514هجري) الذي وصفه الحافظ عبد الرزاق الطبسي بإمام الأئمة كما نقل ذلك الحافظ ابن عساكر في كتابه "تبيين كذب المفتري" ما نصه80 : "فالرب إذًا موصوف بالعلو وفوقية الرتبة والعظمة منـزه عن الكون في المكان" انتهى.
66 - وقال القاضي الشيخ أبو الوليد محمد بن أحمد قاضي الجماعة بقُرطُبَة المعروف بابن رُشْد الجَد المالكي (520هجري) ما نصه: "ليس - الله - في مكان، فقد كان قبل أن يَخْلُق المكان" انتهى. ذكره ابن الحاج المالكي في كتابه "المدخل"81 .
67 - وقال ابن رُشْد أيضًا82 : "فلا يقال أين ولا كيف ولا متى لأنه خالق الزمان والمكان"انتهى.
68 - وقال أيضًا ما نصه83 : "وإضافته - أي العرش - إلى الله تعالى إنما هو بمعنى التشريف له كما يقال: بيتُ الله وحرمه، لا أنه محلٌّ له وموضع لاستقراره" انتهى.
وذكر ذلك أيضًا الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه "فتح الباري"84 موافقًا له ومقرًّا لكلامه.
69 - وقال أبو الثناء محمود بن زيد اللَّامشي الحنفي الماتريدي من علماء ما وراء النهر (كان حيًّا سنة 539هجري) ما نصه85 : "ثم إن الصانع جل وعلا وعزَّ لا يوصف بالمكان لما مر أنه لا مشابهة بينه تعالى وبين شىء من أجزاء العالم، فلو كان متمكنًا بمكان لوقعت المشابهة بينه وبين المكان من حيث المقدار لأن المكان كل متمكن قدر ما يتمكن فيه. والمشابهة منتفية بين الله تعالى وبين شىء من أجزاء العالم لما ذكرنا من الدليل السمعي والعقلي، ولأن في القول بالمكان قولا بِقِدَمِ المكان أو بحدوث البارىء تعالى، وكل ذلك محالُ، لأنه لو كان لم يزل في المكان لكان المكان قديمًا أزليًّا، ولو كان ولا مكان ثم خلق المكان وتمكن فيه لتغير عن حاله ولحدثت فيه صفة التمكن بعد أن لم تكن، وقَبول الحوادث من أمارات الحَدَث، وهو على القدير محالٌ" انتهى.
70 - وقال المحدّث أبو حفص نجم الدين عمر بن محمد النسفي الحنفي (537هجري) صاحب العقيدة المشهورة ب- "العقيدة النسفية" ما نصه86 : "والمُحدِثُ للعالَم هو الله تعالى، لا يوصف بالماهيَّة ولا بالكيفية ولا يَتمكَّن في مكان" انتهى باختصار.
71 - وقال أيضًا ما نصه87 : "وقد وَرد الدليلُ السمعيُّ بإيجاب رؤية المؤمنين اللهَ تعالى في دار الآخرة، فيُرَى لا في مكان، ولا على جهة من مقابلة أو اتصال شُعاعٍ أو ثبوتِ مَسافةٍ بين الرائي وبين الله تعالى" انتهى.
72 - وقال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي الأندلسي (543هجري) ما نصه88 : "البارىء تعالى يتقدس عن أن يُحَدّ بالجهات أو تكتنفه الأقطار" انتهى.
73 - وقال أيضًا ما نصه89 : "إن الله سبحانه منـزه عن الحركة والانتقال لأنه لا يحويه مكان كما لا يشتمل عليه زمان، ولا يشغل حيِّزًا كما لا يدنو إلى مسافة بشىء، متقدس الذات عن الآفات منـزه عن التغيير، وهذه عقيدة مستقرة في القلوب ثابتة بواضح الدليل" انتهى.
74 - وقال أيضًا ما نصه90 : "الله تعالى يتقدس عن أن يحد بالجهات" انتهى.
75 - وقال أيضًا ما نصه91 : "وإنّ عِلْمَ الله لا يحل في مكان ولا ينتسب إلى جهة، كما أنه سبحانه كذلك، لكنه يعلم كل شىء في كل موضع وعلى كل حال، فما كان فهو بعلم الله لا يشذ عنه شىء ولا يعزب عن علمه موجود ولا معدوم، والمقصود من الخبر أن نسبة البارىء من الجهات إلى فوق كنسبته إلى تحت، إذ لا ينسب إلى الكون في واحدة منهما بذاته" انتهى.
76 - وقال القاضي عياض بن موسى المالكي (544هجري) ما نصه92 : "اعلم أن ما وقع من إضافة الدُّنُوِّ والقُرْبِ هنا من الله أو إلى الله فليس بدنوِّ مكان ولا قُرب مدى، بل كما ذكرنا عن جعفر بن محمد الصادق: ليس بدُنوِّ حدٍّ، وإنما دنوِّ النبي صلى الله عليه وسلم من ربّه وقربه منه إبانةُ عظيم منـزلته وتشريفُ رُتبته" انتهى.
77 - وقال الشيخ محمد بن عبد الكريم الشهرستاني الشافعي (548) ما نصه93 : "فمذهب أهل الحق أن الله سبحانه لا يشبه شيئًا من المخلوقات ولا يشبهه شىء منها بوجه من وجوه المشابهة والمماثلة ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)﴾ [سورة الشورى]، فليس البارىء سبحانه بجوهر ولا جسم ولا عرض ولا في مكان ولا في زمان" انتهى.
78 - وقال الشيخ سراج الدين علي بن عثمان الأوشي الحنفي (569هجري) ما نصه94 :
"نُسَمِّي الله شيئا لا كالاشيا وذاتًا عن جهاتِ السّتِّ خالي" انتهى
أي أن الله تعالى لا يحتاج إلى جهة ولا إلى مكان يحلُّ به لأنه خالق الأماكن والجهات. ومعنى الشىء: الثابت الوجود، قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ (19) [سورة الأنعام].
79 - وقال الحافظ المؤرخ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشهير بابن عساكر الدمشقي (571هجري)95 في بيان عقيدته التي هي عقيدة أبي الحسن الأشعري نقلًا عن القاضي أبي المعالي بن عبد الملك ما نصه: "قالت النجارية: إن البارىء سبحانه بكل مكان من غير حلول ولا جهة. وقالت الحشوية والمجسمة: إنه سبحانه حالّ في العرش وإن العرش مكان له وهو جالس عليه ـ وهي عقيدة ابن تيمية وأتباعه المجسمة ـ فسلك طريقة بينهما فقال: كان ولا مكان فخلق العرش والكرسي ولم يحتج إلى مكان، وهو بعد خلق المكان كما كان قبل خلقه" انتهى.
80 - وقال أيضًا في تنـزيه الله عن المكان والجهة ما نصه96 :
"خَلَقَ السماءَ كما يشا ء بلا دعائمَ مُسْتَقِلَّهْ
لا للتحيز كي تكو نَ لذاته جهةً مُقِلَّهْ
ربٌّ على العرش استوى قهرًا وينزلُ لا بنُقْلَهْ" انتهى.
81 - وقال الشيخ إمام الصوفية العارف بالله السيد أحمد الرفاعي الشافعي الأشعري (578هجري) ما نصه97 : "وطهِّروا عقائدكم من تفسير معنى الاستواء في حقه تعالى بالاستقرار، كاستواء الأجسام على الأجسام المستلزم للحلول، تعالى الله عن ذلك. وإياكم والقول بالفوقية والسُّفْلية والمكان واليد والعين بالجارحة، والنزول بالإتيان والانتقال، فإن كل ما جاء في الكتاب والسنة مما يدل ظاهره على ما ذُكر فقد جاء في الكتاب والسنة مثله مما يؤيد المقصود" انتهى.
82 - وقال أيضًا ما نصه98 : "وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه: من قال لا أعرف الله أفي السماء هو أم في الأرض، فقد كفر، لأن هذا القول يوهم أن للحق مكانًا، ومن توهم أن للحق مكانًا فهو مشبه" انتهى.
---------------------