معروف بن الفيرزان الكرخي

مشايخ الصوفية علماء أولياء

معروف بن الفيرزان الكرخي رضي الله عنه

من أكابر القوم العارفين، السالك طريق سيد المرسلين، الزاهد الذي انتهت إليه رئاسة الطريق، خليفة القطب أبو سليمان داود الطائي المعروف، يكنى أبا محفوظ، وهو منسوب إلى كرخ بغداد. أسند عن معروف بن بكر بن خنيس وعبد الله بن موسى وابن السماك.
قال أخوه عيسى: كنت أنا وأخي معروف في الكتَّاب وكنا نصارى، وكان المعلم يعلم الصبيان أب وابن، فيصيح أخي معروف: أحدٌ أحد، فيضربه المعلم على ذلك ضربًا شديدًا، حتى ضربه يومًا ضربًا عظيمًا فهرب على وجهه. فكانت أمي تقول: لئن ردَّ الله عليَّ ابني معروفًا لأتبعنه على أي دين كان. فقدم عليها معروف بعد سنين كثيرة فقالت له: يا بُني على أي دين أنت؟ قال: على دين الإسلام. قالت: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله فأسلمت أمي، وأسلمنا كلنا.
عن يحيى بن جعفر، قال: رأيت معروفًا يؤذن فلما قال: أشهد أن لا إله إلا الله، رأيت شعر لحيته وصدغه قائمًا كأنه زرع.
وعن عمرو بن موسى، قال: سمعت معروفًا يقول وعنده رجل يذكر رجلًا فجعل يغتابه فجعل معروف يقول له: "أذكر القطن إذا وضعوه على عينيك، أذكر القطن إذا وضعوه على عينيك".
وقال سري: سألت معروفًا عن الطائعين بأي شىء قدروا على الطاعة لله عز وجل؟، قال: بخروج الدنيا من قلوبهم.
وعن إبراهيم البكار، قال: سمعت معروفًا الكرخي يقول: إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا فتح عليه باب العمل، وأغلق عنه باب الجدل، وإذا أراد به شرًا أغلق عليه باب العمل، وفتح عليه باب الجدل.
وقال مرة: ما أبالي رأيت امرأة أو رأيت حائطًا.
فكان رضي الله عنه سيدًا من السادات الأجلاء، وشيخًا عظيمًا مبجلًا، وكان كلامُه حِكَمًا وعبرًا، كلامه في الزهد والتصوف أخذ بالقلوب، وأثرت مواعظه في أفئدة الرجال، ترى في كلامه عباراتِ إنسان عاقل فطن أخذته الشفقة على الخلق فمِن ذلك ما روي عن إبراهيم الأطروش قال: كان معروف قاعدًا على دجلة ببغداد إذ مرّ بنا أحداث في زورق يضربون الملاهي ويشربون، فقال له أصحابه: أما ترى أن هؤلاء في هذا الماء يعصون الله ادعُ الله عليهم فرفع يديه إلى السماء، وقال: إلهي وسيدي أسألك أن تفرحهم في الآخرة كما فرحتهم في الدنيا، فقال له أصحابه: إنما قلنا لك: ادع الله عليهم لم نقل لك ادع الله لهم، فقال: إذا أفرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم بشىء.
وما يدل على عِظَم شأن هذا الشيخ الكبير ما قاله تلميذُه السري: هذا الذي أنا فيه من بركات معروف انصرفت من صلاة العيد فرأيت مع معروف صبيا شعثًا، فقلت: من هذا؟ قال: رأيت الصبيان يلعبون وهذا واقف منكسر فسألتُه: لِمَ لا تلعب؟ قال: أنا يتيم، قال سري: فقلت له: فما ترى أنك تعمل به؟ قال: لعلي أخلو فأجمع له نوى يشتري بها جوزًا يَفرح به، فقلت له: أعطنيه أُغير من حاله، فقال لي: أوَ تفعل؟ فقلت: نعم، فقال لي: خذه أغنى الله قلبك، فسويت الدنيا عندي بأقل من كذا.
وكراماتُه رضي الله عنه كثيرة، فمنها ما رواه خليل الصياد قال: غاب ابني إلى الأنبار فوجدَتْ أمه وجدًا شديدًا فأتيت معروفًا فقلت له: يا أبا محفوظ ابني قد غاب فوجدت أمه وجدًا شديدًا، قال: فما تشاء؟ قلت: تدعو الله أن يرده عليها فقال: اللهم إن السماءَ سماؤك، والأرضَ أرضُك، وما بينهما لك، فأتِ به. قال خليل: فأتيت باب الشام فإذا ابني منبهر، فقلت: يا محمد أين كنت؟ فقال: يا أبتِ الساعةَ كنت بالأنبار.
وعن أبي بكر الزَجّاج، قال: قيل لمعروف الكرخي في عِلّته: أَوص، فقال: إذا متُّ فتصدقوا بقميصي هذا فإني أُحب أن أخرج من الدنيا عريانًا كما دخلت إليها عريانًا.
توفي رضي الله عنه ببغداد وقبره ظاهر، ويُستسقى به ويُتبرك، وهو محل إجابة الدعاء كما هو مشهور. وكان إبراهيم الحربي يقول: قبر معروف الترياق المجرب، أي لإجابة الدعوة.