المذاهب الأربعة

غاية البيان في تنزيه الله عن الجهة والمكان

الباب الثامن - 4
ذِكْر النُقول من المذاهب الأربعة وغيرها على أن أهل السُّنة يقولون: الله موجودٌ بلا مكان ولا جهة

253 - وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور المالكي (1393هجري)1 ما نصه2: "قوله - تعالى - ﴿مَنْ فِي السَّمَاءِ (17)﴾ في الموضعين من قبيل المتشابه الذي يعطي ظاهره معنى الحلول في مكان، وذلك لا يليق بالله" انتهى.
254 - وقال الشيخ عبد الكريم الرفاعي الدمشقي (1393هجري) أحد خوَّاص تلاميذ الشيخ المحدث بدر الدين الحسني ما نصه3: "ويستحيل على الله المماثلة للحوادث، والتقيد في الزمان والمكان، وأن يكون في جهة، أو تكون له جهة" انتهى.
255 - وقال أيضًا4: "يستحيل - على الله - التقيد بالمكان لأن المتمكِّن فيه إما ساكن أو متحرك، وقد تقدم استحالة الحركة والسكون على الله تعالى، فإذًا استحال على الله تعالى أن يتقيد بالمكان. ويستحيل أن يكون الاله في جهة أو يكون له جهة لأن الجهة التي هي الفوق، والتحت، والأمام، والوراء، واليمين، والشمال لا تتصور ولا تعقل إلا ملازمة للجرم، وقد تقدم استحالة الجرمية عليه، فإذًا لا يتصور أن يكون له جهة أو يكون في جهة" انتهى.
256 - قال محدث الديار المغربية الشيخ عبد الله بن محمد الصديق الغماري (1413هجري) ما نصه5: "كان الله ولم يكن شىء غيره، فلم يكن زمان ولا مكان ولا قطر ولا أوان، ولا عرش ولا ملك، ولا كوكب ولا فلك، ثم أوجد العالم من غير احتياج إليه، ولو شاء ما أوجده. فهذا العالم كله بما فيه من جواهر وأعراض حادث عن عدم، ليس فيه شائبة من قِدم، حسبما اقتضته قضايا العقول، وأيدته دلائل النقول، وأجمع عليه المِلِّيُّوْن قاطبة إلا شُذاذًا من الفلاسفة قالوا بقدم العالم، وهم كفار بلا نزاع" انتهى.
257 - وقال أيضًا ما نصه6: "قال النيسابوري في "تفسيره": "أما قوله: ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ (55)﴾ [سورة ءال عمران] فالمشبهة تمسكوا بمثله في إثبات المكان لله وأنه في السماء، لكن الدلائل القاطعة دلّت على أنه متعال عن الحيز والجهة، فوجب حمل هذا الظاهر على التأويل بأن المراد: إلى محل كرامتي" انتهى.
258 - قال الشيخ محمد حمدي الجويجاتي الدمشقي (141 1هجري) ما نصه7: "ويستحيل على الله احتياجه لغيره، وللزمان والمكان، إذ هو خالق الزمان والمكان" انتهى.
259 - وقال الشيخ عبد ربه بن سليمان بن محمد بن سليمان الشهير بالقليوبي المصري أحد علماء الأزهر ما نصه8: "نقول: مما تقرر عقلاً ونقلاً أن الله تعالى إلَه قديم مستغن عن كل ما سواه، وغيره مفتقر إليه، فكيف يحل في السماء والحلول دليل الاحتياج، وأنه تعالى لو كان في مكان لكان متناهي المقدار، وما كان متناهي المقدار فهو حادث، والله تعالى قديم فيستحيل عليه الحلول في مكان أو جهة" انتهى.
260 - قال الشيخ حسين عبد الرحيم مكي المصري9 أحد مشايخ الأزهر: " - إن الله تعالى يُرى - من غير أن يكون في مكان وجهة، أو مقابلاً للرائي أو محدودًا أو محصورًا، وبدون تكيف بأيّ كيفية من كيفيات رؤية الحوادث بعضهم بعضًا" انتهى.
261 - وقال أيضًا في كتابه "توضيح العقيدة"، وهو مقرر السنة الرابعة الإعدادية بالمعاهد الأزهرية بمصر، ما نصه10: "فنراه تعالى منزَّهًا عن الجهة والمقابلة وسائر التكيفات، كما أنّا نؤمن ونعتقد أنه تعالى ليس في جهة ولا مقابلاً وليس جسما" انتهى.
262 - وفي كتاب "العقيدة الإسلامية" الذي يدرّس في دولة الإمارات العربية ما نصه11: "وأنه تعالى لا يحل في شىء ولا يحل فيه شىء، تقدس عن أن يحويه مكان، كما تنزه عن أن يحده زمان، بل كان قبل أن يخلق الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان" انتهى.
263 - وفيه أيضًا ما نصه12: "وإن عقيدة النجاة المنقِذة من أوحال الشرك وضلالات الفرق الزائفة هي اعتقاد رؤيته تعالى في الآخرة للمؤمنين بلا كيف ولا تحديد ولا جهة ولا انحصار" انتهى.
264 - وجاء في مجلة دعوة الحق تصدرها وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية ما نصه13: "يتفق الجميع من علماء سلف أهل السنة وخلفهم - وكذا العقلانيون من المتكلمين - على أن ظاهر الاستواء على العرش بمعنى الجلوس على كرسي والتمكن عليه والتحيز فيه مستحيل، لأن الأدلة القطعية تنزه الله تعالى عن أن يشبه خلقه أو أن يحتاج إلى شىء مخلوق، سواء أكان مكانًا يحل فيه أو غيره، وكذلك لأنه سبحانه نفى عن نفسه المماثلة لخلقه في أي شىء، فأثبت لذاته الغنى المطلق فقال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ " انتهى.
265 - وجاء في مجلة الأزهر وهي مجلة دينية علمية خلقية تاريخية حكمية تصدرها مشيخة الأزهر بمصر، انتدب الأزهر الشريف بمصر لهؤلاء المنحرفين عن منهج أهل السنة وتصدر للرد على تلك الشرذِمة التي تسمي نفسها "السلفية" تارة، و"جماعة أنصار السنة" تارة أخرى، فنشر أكثر من مقال14 لإبطال مزاعمهم تحت عنوان "تنزيه الله عن المكان والجهة".
ومما جاء فيها: "والأعلى" صفة الرب، والمراد بالعلو العلو بالقهر والاقتدار لا بالمكان والجهة، لتنزهه عن ذلك" انتهى.
وهذا المقال صدر عن مشيخة الأزهر منذ أكثر من ستين سنة مما يدل على حِرصه في التصدي والرد على شبهات الزائغين المنحرفين ولا سيما عند الخوف من تَزَلْزُلِ العقيدة حِفظًا من التشبيه، فمن عابنا على عقيدة تنزيه الله عن الجهة والمكان والجسمية فهو عائب على الأزهر وعلى علماء الأمة.
266 - ونختم الفصل بما قاله الشيخ العلامة الفقيه المحدّث الشيخ عبد الله الهرري المعروف بالحبشي ونصه15: "وقال أهل الحق: إن الله ليس بمتمكِّن في مكان أي لا يجوز عليه المماسة للمكان والاستقرار عليه، وليس معنى المكان ما يتصل جسم به على أن يكون الجسمان محسوسَيْن فقط، بل الفراغ الذي إذا حل فيه الجرم شغل غيره عن ذلك الفراغ مكان له، كالشمس مكانها الفراغ الذي تسبح فيه، وعند المشبهة والكرامية والمجسمة الله متمكِّن على العرش وتعلقوا بظاهر قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)﴾ [سورة طه] فقالوا: الاستواء الاستقرار، وقال بعضهم: الجلوس، وهؤلاء المشبهة قسم منهم يعتقدون أن الله مستقر على العرش، ويكتفون بهذا التعبير من غير أن يفسروا هل هذا استقرار اتصال أم استقرار محاذاة من غير مماسة، وقسم منهم صرحوا بالجلوس، والجلوس في لغة العرب معناه تَمَاسُّ جسمين أحدهما له نصف أعلى ونصف أسفل، فمن قال: إنه مستو على العرش استواء اتصال أي جلوس أو قال: استواؤه مجرد مماسة من غير صفة الجلوس فهو ضال، والذين قالوا إنه مستوٍ على العرش من دون مماسة أي إنما يحاذيه من فوق أي كما تحاذي أرضنا السماء فهؤلاء أيضًا ضالون، فلا يجوز أن يكون قوله تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)﴾ [سورة طه] على إحدى هذه الصفات الثلاث، والتفسير الصحيح تفسير من قال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)﴾ قهر، لأن القهر صفة كمال لله تعالى، هو وصَف نفسه به قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (16)﴾ [سورة الرعد]، فيصح تأويل الاستواء بالاستيلاء وإن كانت المعتزلة وافقت أهل السنة في ذلك.
وأقبح هذه الاعتقادات الفاسدة اعتقاد أن الله تعالى جالس على العرش أو واقف عليه، لأن فيه جعل الله تعالى محمولا للعرش والعرش محمول للملائكة، فالملائكة على هذا الاعتقاد قد حملوا الله تعالى، فكيف يليق بالإِله الذي أوجد العالم بأسره أن يحمله شىء من خلقه، فعلى قول هؤلاء يلزم أن يكون الله محمولَ حامل ومحفوظَ حافظ، وهذا ما لا يقوله عاقل.
ثم إن من دلائل أهل الحق: أن التعري عن المكان ثابت في الأزل لعدم قدم المكان إذ هو غير المتمكن16، ولو تمكن بعد خلق المكان لتغير عما كان عليه، والتغير من أمارات الحدث وذلك يستحيل على القديم، ولو كان تعالى هو والمكان موجودين في الأزل لم يكن الله خالقًا للمكان ولا خالقًا لشىء من الأشياء، ثم لو كان كما يَعتقدون لم يستطع الله أن يحفظ هذا العالم ولم يستطع أن يحفظ هذه الأرض التي هي مستقرة على غير أعمدة" انتهى.
267 - وقال أيضًا ما نصه17: "قال أهل الحق نصرهم الله: إن الله سبحانه وتعالى ليس في جهة وليس بذي صورة لاختلاف الصور والجهات، واجتماع الكلّ مستحيل لتنافيها في أنفسها وليس بعض الجهات والصُّوَر أوْلَى من البعض لاستواء الكلّ في إفادة المَدْحِ والنَّقص، وتخصيص بعض الصور والجهات لا يكون إلا بمخصِّص وذا من أمارات الحدَث، ورفعُ الأيدي والوجوه إلى السماء عند الدعاء تعبُّدٌ مَحْضٌ كالتوجُّه إلى الكعبة في الصلاة، فالسماء قِبلة الدعاء كالبيت الذي هو قِبلة الصلاة.
وحكم النبي صلى الله عليه وسلم عند إشارة الجارية السوداء18 التي أراد صاحبها أن يعرف أنها مؤمنة ليُعتقها إلى السماء بكونها مؤمنة لاعتبار أنه لا يظن بها أنها من عَبَدَةِ الأوثان.
مسألة مهمة: إذا قال قائل: نفيه عن الجهات الستّ إخبار عن عدمه، إذ لا عدم أشد تحقيقًا من نفي المذكور عن الجهات الستّ. قلنا: النفي عن الجهات الستّ إنما يكون إخبارًا عن عدم ما لو كان لكان في جهة منه، لا نفي ما يستحيل عليه أن يكون في جهة منه، لأن من نفى نفسه عن الجهات الست لا يكون ذلك إخبارًا عن عدمه، وكذا تنزيه القديم جلَّ وعلا عن الجهات الست" انتهى.
268 - وقال أيضًا ما نصه19: "إن المؤمنين يرون الله في الآخرة، وهذا حق يجب الإِيمان به، يرونه بأبصارهم من غير مسافة بينهم وبين الله لا كما يُرى المخلوق، لا يجوز ذلك لأن الذي يكون بينه وبينك مسافة يكون محدودًا، إما أن يكون أعظم جرمًا منك أو أصغر منك أو مثلك، وهذا كله لا يجوز على الله، فلذلك أهل السنة يثبتون رؤية الله في الآخرة من غير تشبيه ولا جهة ولا مسافة، ولا تكون رؤية الله كما يُرى المخلوق، لأن المخلوق إذا رأيته تراه في جهة أمامك، أو في جهة خلفك تلتفت إليه فتنظر إليه، أو في جهة يمينك، أو في جهة يسارك، أو في جهة فوقك، أو في جهة تحتك، أو في جميع الجهات كما إذا كنت ضمن غرفة فإنها محيطة بك، وقد نص على هذا الإِمام أبو منصور الماتريدي20 وغيرُه" انتهى.
269 - وقال أيضًا: "وإثبات المكان لله يقتضي إثبات الجهة التي نفاها علماء الإسلام عن الله تعالى سلفهم وخلفهم كما قال أبو جعفر الطحاوي في كتابه المسمى "العقيدة الطحاوية" والذي ذكر فيه أنه بيان عقيدة أهل السنّة والجماعة: "لا تحويه الجهاتُ الست كسائر المبتدعات". فتبين أن نفي تحيّز الله في جهة هو عقيدة السلف، لأن الطحاوي من السلف وقد بيَّن أن هذا معتقد أبي حنيفة وصاحبيه الذين ماتوا في القرن الثاني خاصة ومعتقد أهل السنّة عامة" انتهى.
270 - وقال أيضًا في الرد على المجسمة ما نصه21: "وأشد شبهة لهم - أي للوهابية - قولهم إنه يلزم من نفي التحيّز في المكان عن الله تعالى كالتحيز في جهة فوق أنه نفي لوجوده تعالى، يقال لهم: ليس من شرط الوجود التحيز في المكان لأن الله تبارك وتعالى كان قبل المكان والزمان والجهات والأجرام الكثيفة واللطيفة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان الله ولم يكن شىء غيره" فأفهمنا أن الله تعالى كان قبل المكان والزمان والنور والظلام والجهات، فإذا صح وجوده قبل هؤلاء وقبل كل مخلوق صحّ وجودُه بلا تحيّز في جهة ومكان بعد وجود الخلق. وهذا الحديث الذي رواه البخاري وغيره تفسيرٌ لقول الله تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ (3)﴾ [سورة الحديد] فقد وصف ربنا نفسه بالأوّلية المطلقة فلا أول على الإطلاق إلا الله، أما أوّلية بعض المخلوقات بالنسبة لبعض فهي أوّلية نسبيّة. وأنتم أيها المجسمة لما حصرتم الموجود فيما يدرِكه ويتصوره الوهم وهو ما يكون متحيزًا في جهة ومكان، فهذا قياس منكم للخالق بالمخلوق، لأن المخلوق لما كان لا يخرج عن كونه جِرمًا كثيفًا أو لطيفًا أو صفة تابعة للجرم كالحركة والسكون قطعتم بعدم صحة ما ليس كذلك، فبهذا التقرير بطلت شبهَتهم وتمويههم.
واعلموا أن أصل مصيبتكم هو أنكم جعلتم الله جِرمًا فقلتم: لا يصح وجود الله بلا تحيّز في جهة ولم تقبل نفوسكم وجود ما ليس بمتحيّز وهو الله تعالى الذي نفى عن نفسه المِثل بقوله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ (11)﴾ [سورة الشورى] وخرجتم عما توارد عليه السلف والخلف وهو قولهم: "مهما تصورت ببالك فالله بخلاف ذلك" قال هذه العبارة الإمام أحمد بن حنبل والإمام الزاهد الناسك ذو النون المصري وهما كانا متعاصرين، وبمعناه عبارة الشافعي المشهورة: "من انتهض لمعرفة مُدبّره فانتهى إلى مَوجود ينتهي إليه فِكرُه فهو مشبّه"، وأنتم يا معشر المشبهة معتقدكم أنّ الله جِرم حتى قال بعضهم إنه جرم بقدر العرش من الجوانب الأربعة، وقال بعضهم إنه يزيد على العرش، وقال بعضهم هو على بعض العرش، وقال بعضهم إنه بصورة إنسان طوله سبعة أشبار بشبر نفسه، وزعيمكم ابن تيمية مرة قال إنه بقدر العرش لا يَفضل منه شىء بل يزيد، ومرة قال إنه جالس على الكرسي وقد أخلى موضعًا لمحمد ليُقعدَه فيه، والأول من هذين القولين في كتابه المنهاج22 والثاني في الفتاوى23 وكتابه المسمى كتاب العرش الذي اطلع عليه الإمام المفسر النَّحْويّ اللغوي أبو حيّان الأندلُسي24، وقال الحافظ أبو سعيد العلائي أحد مشايخ الحافظ ابن حجر العسقلاني إن ابن تيمية قال إنه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر25. وقول مجسمة العصر إن الفطرة في كل إنسان تقضي بأن الله متحيز بجهة الفوق أي العرش منقوض بشواهد الوجود لأن من الناس من يعتقدون أن هذه السماء الدنيا التي لونها الخضرة الخفيفة هي الله، ومن الناس من يعتقد أن الله كتلة نورانية حتى إنه ظهر من بعض الناس المنتسبين للإسلام أن الله في مكة والمدينة، وبعض المشبهة قالوا بأنه في إحدى السّمَوات السبع، ومنهم من بلغت به الوقاحة وهو أحد مشبهة الحنابلة ألف كتابًا رتّبه هكذا: باب اليدين باب العين ثم باب كذا ثم باب كذا إلى أن قال باب الفرج لم يرد فيه شىء، فيقال للوهابية: يا معشر المشبهة أيّ هؤلاء على الفطرة التي تزعمون أن الإنسان إذا خُلّي وطبعه يعتقد أن الله متحيّز في السماء، وما هي الفطرة التي خلق الله عليها البشر التي هي الصواب والحق؟ إنما الفطرة هي ما وافق العقل والدليل العقلي ووافق التنزيه عن الجِسميّة وصفاتِها وعوارضها، وهذا ما فهمه جمهور علماء الطوائف المنتسبة إلى الإسلام.
وأما العلو الوارد وصف الله تعالى به فنذكر ما قاله الإمام أبو منصور البغدادي في تفسير الأسماء والصفات26 ونصه: "والوجه الثالث أن يكون العلو بمعنى الغلبة، قال الله عزّ وجلّ: ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)﴾ [سورة ءال عمران] أي الغالبون لأعدائكم، يقال منه: علوت قرني أي غلبته، ومنه قوله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ (4)﴾ [سورة القصص] أي غلب وتكبر وطغى، ومنه قوله عز وجل: ﴿وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ (19)﴾ [سورة الدخان] أي لا تتكبّروا، وكذلك قوله: ﴿أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31)﴾ [سورة النمل] أي لا تتكبّروا. فإذا كان مأخوذًا من العلو فمعنى وصف الله عز وجل بأنه عليٌّ أنه ليس فوقه أحد، وليس معناه أنه في مكان دون مكان، وإن كان مأخوذًا من ارتفاع الشأن فهو سبحانه أرفع شأنًا من أن نشبّه به شيئًا" انتهى. انتهى كلام العلامة الهرري وهو نفيس جدًّا.


---------------------
1- هو رئيس المفتين المالكيين بتونس وشيخ جامع الزيتونة وفروعه بتونس (الأعلام للزِّركلي 6/ 174).
20- انظر تفسيره التحرير والتنوير (29/ 33).
3- كتاب المعرفة في بيان عقيدة المسلم (ص/ 55 و57).
4- كتاب المعرفة في بيان عقيدة المسلم (ص/ 55 و57).
5- قصص الأنبياء: ءادم عليه السلام: (ص/ 11).
6- عقيدة أهل الإسلام (ص/ 29).
7- العقيدة الإسلامية (ص/ 8 – 9).
8- فيض الوهاب (2/ 26 – 27).
9- توضيح العقيدة المفيد في علم التوحيد لشرح الخريدة لسيدي أحمد الدردير (2/ 35)، الطبعة الخامسة 1384 هجري – 1964.
10- المصدر السابق (ص/ 39).
11- العقيدة الإسلامية: التوحيد في الكتاب والسنة: (1/ 167).
12- العقيدة الإسلامية: التوحيد في الكتاب والسنة: (1/ 151).
13- مجلة دعوة الحق: العددان 305 – 306 (ص/ 65 سنة 1415 هجري – 1994 ر).
14- مجلة نور الإسلام = مجلة الأزهر: (مجلد 2/ جزء 4/ ص 282 ربيع الثاني سنة 1350 هجري)، (ومجلد 2/ جزء 9/ ص 63 رمضان سنة 1350 هجري). (مجلد 9/ جزء 1/ ص 16) المحرم سنة 1357 هجري).
15- شرح العقيدة الطحاوية (ص/ 164 - 165).
16- المشبهة موافقون لنا على عدم قِدَم المكان، إلا أن ابن تيمية منهم يقول بقدم جنس المخلوق أي لم يزل مع الله مخلوق، وقد نقل عنه جلال الدين الدَّواني أنه قال بالقدم الجِنْسِي للعرش.
17- إظهار العقيدة السنية (ص/ 127 – 128).
18- أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب المساجد: باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحته، وأبو داود في سننه: كتاب الأَيمان والنذور: باب في الرقبة المؤمنة، والنسائي في سننه: في السهو: باب الكلام في الصلاة، وأحمد في مسنده (2/ 291، و5/ 449)، وأبو عوانة في مسنده (2/ 142 – 143).
19- شرح العقيدة الطحاوية (ص/ 144).
20- كتاب التوحيد (ص/ 76).
21- صريح البيان (ص/ 71 – 72 – 73).
22- المنهاج (1/ 260 – 261).
23- الفتاوى (4/ 374).
24- النهر الماد: تفسير ءاية الكرسي: (جزء 1/ ص 254).
25- ذخائر القصر (ص/ 32 – 33) مخطوط.
26- تفسير الأسماء والصفات (ق/ 151).